Buugga Dhaqanka Dhakhtarka
كتاب أدب الطبيب
Noocyada
فيجب لذلك أن يكون الطبيب مرتاضا بتعرف أجناس الأمزجة وأنواعها، ليقدر بذلك على معرفة مزاج الشخص الواحد من الناس الذى غرضه حفظ المحمود من أخلاقه، وقوى نفسه، أو تقويم ما خرج عن الأمر المحمود منها، وأن يكون أيضا خبيرا، كثير التفقد لما يعرض للنفوس من الأعراض، إذ كان قد يستدل من الأعراض على قوى النفوس، وعلى أمزجة الأبدان.
فإن من كان من الناس بالطبع حييا، ليس حال مفسه، ولا مزاج نفسه، كحال من كان بالطبع قليل الحياء. وإنما استثنيت بقولى «بالطبع»، لأن الأدب قد يغير الطبع بعض التغيير. فإذا أردت امتحان ما فى طبع الإنسان، وأعراض النفوس، وأخلاقها، فامتحنه فيمن لم يتأدب بعد، ولا انصلحت نفسه بالفضائل والعلوم، كالصبيان مثلا! فإنك تجد هذه الأعراض، والأخلاق، فيهم مفردة، وخاصة فيمن لم يعود العادات المحمودة، ولا أخذ فى تأديبه، وذلك أنه يفعل ما فى طبعه فقط.
وقد وصف جالينوس من هذه الأخلاق فى الصبيان طرفا، ينبغى أن نحكيه بألفاظه، وعلى أن المشاهد من ذلك قد كان يغنى ذا الفطنة والذهن. قال جالينوس: إنه قد يكون من الصبيان الصغار من لا يكذب البتة، ومنهم من لا يصدق البتة، ومنهم من لا يستحى، ومنهم من هو كثير الحياء، ومنهم جبان، ومنهم جرئ، ومنهم نهم، وغير نهم، ومنهم سخى، مواس بما يملك، ومنهم بخيل غير مواس، ومنهم من يحب الظلم والغضب، ومنهم من يحب العدل، ومنهم من يرحم، ويرق للمضروب من الصبيان، ومنهم من يسر بضربه، ويضحك لذلك، وقد يخالف بعضهم بعضا اختلافات أخر من الأخلاق.
وإذا كان الأمر على ما قيل فى ذلك، فقد يجب على الطبيب معرفة الخلق الطبيعى، وما الفرق بينه وبين الخلق التأدبى، ليمتحن حالات النفوس، وأعراضها، بالطبيعى، لئلا يغلطه الخلق الذى قد أصلحه الأدب، والعادات المحمودة.
وكما أن مصاحبة الأخيار والأفاضل، تكسب الفضائل، وصلاح النفس، كذلك مصاحبة الأشرار، وأهل العادات المذمومة، قد تفسد أخلاق كثير من الناس، وتنقلهم عن جيد الطباع إلى غيره. فلذلك يجب أن يأخذ الطبيب نفسه أولا، ثم من قصد تدبيره، بإصلاح النفس، وأعراضها، ويهتم بذلك أكثر من غيره، إذ كان تمام الإنسان بنفسه، والتمام أشرف من المتمم.
Bogga 57