Buugga Dhaqanka Dhakhtarka
كتاب أدب الطبيب
Noocyada
وقال أيضا يصف المياه الفاضلة: أما ما كان منها ينابيعه مقابلة لمشارق الشمس، فتلك المياه أفضل المياه. ثم من بعدها ما كان من المياه فيما بين مطالع الشمس الصيفية وبين مغاربها، وخاصة ما كان منها مقابلا لمطلع الشمس. ثم الثالثة بعدها المياه التى فيما بين مغارب الشمس الشتوية وبين الصيفية، وأردأها المياه التى تقابل الجنوب، وهى التى تقابل ما بين المشرق الشتوى وبين المغرب، وهذه المياه تكون فى أوقات هبوب الرياح الجنوبية رديئة جدا، وتكون عند هبوب الرياح الشمالية أجود. وقال: وينبغى أن تستعمل هذه المياه على هذا الطريق، أما من كان صحيحا قويا، فلا ينبغى له أن يميز بين المياه، لكن يشرب منها ما حضره.
وقال يمدح ماء المطر: إن ماء المطر أخف المياه، وأصفاها، وأعذبها، وأرقها. وذلك أولا من قبل أن الشمس إنما ترفع من الماء، وتسلب منه أرقه، وأخفه. ومما يدلك على ذلك أمر الملاحات، وذلك أن الجزء المالح من الماء يبقى فيها، بسبب غلظه وثقله، فيصير ملحا، وتسلب الشمس أرق الماء، لخفته، فترفعه. والشمس ترفع ذلك لا من المياه العذبة فقط، لكن قد ترفعه من ماء البحر أيضا، ومن جميع الأجسام، وترفع من أبدان الناس دائما أرق ما فيها من النداوة، وأخفه. ومما يدل على ذلك أعظم الدلالة أن الإنسان إذا مشى فى الشمس، أو جلس فيها، وعليه ثوب، فإن ما كان من جسده بارزا للشمس، لا يعرق، وذلك أن الشمس تسلب دائما ما يبرز من العرق، فترفعه. وما كان من بدنه مغطيا بالثوب أو بغيره، أى شئ كان، فإنه يعرق، وذلك أن الشمس تخرج العرق قسرا والجبة تحفظه، وتبقيه، حتى لا تبيده الشمس. فإذا انتقل ذلك الإنسان إلى الظل، عرق بدنه كله على مثال واحد. وذلك أن شعاع الشمس عند ذلك لا يقع عليه.
قال: ولذلك صار ماء المطر أقرب المياه إلى العفونة، وإلى أن يصير له رائحة رديئة، لأنه إنما تجمع من رطوبات كثيرة جدا، فهو مختلط منها. فيجب من ذلك أن يكون أولى المياه بأن يعفن.
ثم لما أورد أبقراط، بعد هذه الأقاويل، كيف يتكون المطر، قال: فهذا الماء واجب أن يكون أول المياه، لكنه قد يحتاج إلى أن يهذب، بأن يغلى. ثم قال: فإن لم يفعل به ذلك، صارت له رائحة رديئة، وأحدث لمن يشربه بحوحة، وسعالا، وثقل صوت. وقال بقراط: وأما ماء الثلوج، وماء الجمد، فكله ردئ، وذلك أن الماء إذا جمد مرة، لا يعود إلى طبيعته الأولى. لكن ما كان منه صافيا، خفيفا، عذبا، انحصر، وباد، وتبقى منه أعكره، وأقربه من القائم
وإذ قد ذكرت فى هذا الموضع هذه الفصول من كلام بقراط، ليستدل منها على ما الحاجة إليه ماسة من أمر الماء، ولتكون أيضا حاثة لك على تقصى علم ذلك من مواضعه من كتب ابقراط وجالينوس، فإنى عائد إلى القول فى المنافع بالاستحمام بالماء، وأقول: إن المنافع بالاستحمام بالماء مختلفة أيضا للأصحاء والمرضى. وذلك أن من الأبدان الصحيحة ما يوافقها الاستحمام بالماء العذب البارد. وكذلك قد يوافق بعضها المائلة إلى الملوحة، وإلى البورقية، وإلى الشبية، وغير هذه من المياه ذوات الطعوم الأخر الحارة الموجودة فى الحمامات، وغير الحارة. وكذلك قد توافق هذه الأصناف من المياه لبعض المرضى دون بعض، ولأسنان دون أسنان، وفى بلدان دون بلدان، وللعادات فى ذلك أيضا حظ عظيم، فيجب عليك اختبار ذلك وتقصيه.
Bogga 46