Tirada iyo Dhismaha Aadanaha
الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية
Noocyada
بالرغم من ذلك، فحتى مع هاتين الحاستين اللتين يمكن استخدامهما، فمن الصعب على الأطفال أن يتعلموا كيفية التفكير في جميع الكميات بدقة؛ فتعلم كيفية التمييز بين الأعداد ليس سهلا، وهو يتوقف بدرجة كبيرة على تعلم مفردات الأعداد. وبالنسبة إلى جميع البشر على أي حال فإن هذه المفردات، التي تستند تسميتها إلى الأصابع في معظم الأحوال، تكون هي بداية إدراكهم للأعداد الصحيحة.
كيف يفكر الرضع في الكميات؟
مثلما رأينا من قبل، فإن الحاسة العددية الدقيقة تتضح لدى الجماعات اللاعددية، دون وجود أي وسيلة لغوية لنقل المفاهيم العددية من جيل إلى الجيل التالي، أو بين أفراد الجيل الواحد. وينطبق الأمر نفسه على جميع البالغين من البشر؛ فحتى من ينتمون منهم إلى ثقافات لا عددية يمتلكون القدرة على التمييز بين المجموعات التي تحتوي على عدد كبير من العناصر، إذا كان الفرق بين المجموعات كبيرا بالدرجة الكافية. فجميع البالغين الذين يتمتعون بحالة عصبية إدراكية طبيعية يستطيعون التمييز بين 6 عناصر وبين 12 عنصرا، وكذلك بين 8 عناصر و16 عنصرا، وهذه القدرة هي دليل على وجود الحاسة العددية التقريبية. وتتيح لنا مفردات الأعداد واستراتيجيات العد أن نتمكن من التمييز بين الكميات بدقة، بما فيها الكميات الكبيرة، ويحدث ذلك بصفة أساسية من خلال الدمج بين حاستينا العدديتين الفطريتين معا.
وبالرغم من ذلك، قد يطرح أحدهم سؤالا وجيها: كيف يمكننا أن نجزم أن الحاستين المعنيتين هما قدرتان فطريتان فعلا؟ فبعض السمات الأخرى للأدوات الإدراكية للبشر، التي كنا نعتقد أنها فطرية قبل ذلك، لا تبدو الآن كذلك؛ على سبيل المثال استنتج العديد من علماء اللغة في الماضي أن نشأة اللغة نفسها كانت بسبب حدوث طفرة وراثية أو مجموعة من الطفرات في الجينوم البشري، وأن البشر جميعا يشتركون في وجود «غريزة اللغة» لديهم. ومعنى هذا أن الطبيعة قد انتقت البشر الذين حدثت لهم هذه الطفرة أو المجموعة من الطفرات؛ إذ كانت تلك السمة الوراثية مفيدة للغاية للتكاثر. واليوم قل عدد علماء اللغة الذين يعتقدون بهذا، وأصبح أفضل تعريف للغة هو أنها مجموعة من استراتيجيات التواصل وإدارة المعلومات المتنوعة، ولكنها في الغالب متشابهة. ومن هذا المنظور الذي تتزايد شعبيته، فمن المرجح أن يكون الانتقاء الطبيعي قد أنتج لنا مجموعة من القدرات الإدراكية والاجتماعية التي أسهمت في تعزيز اللغة، لكنها لم تؤد بصورة مباشرة إلى إنتاج غريزة لغوية محددة. فكيف يمكننا إذن أن نكون متأكدين للغاية من أن «حاستينا» العدديتين غريزيتان وليستا أيضا نتيجة مجموعة من الاستراتيجيات المتقاربة للتفكير في الكميات؟ كيف يمكننا أن نثق بأننا نمتلك بالفعل قدرة فطرية على التفكير العددي؟
2
إنه لأمر صعب أن نقدم إجابة محددة عن هذا السؤال، غير أن لدينا مكونين أساسيين في هذه الإجابة؛ وهما نوعان عامان من الأدلة قد تركا لدينا يقينا قويا إلى حد ما بأن البشر يتمتعون بغريزة عددية، أو هما على وجه الدقة قدرتان فطريتان يمكننا استخدامهما للتمييز بين الكميات. وقد استخلص الباحثون أحد نوعي هذه الأدلة من سلوك الحيوانات الأخرى؛ فمثلما سنرى في الفصل السابع تشترك العديد من الأنواع الأخرى في أن لديها قدرات مشابهة للتمييز الدقيق بين الكميات الصغيرة، وكذلك التمييز التقريبي بين الكميات الكبيرة؛ ومن ثم يمكننا أن نقول بثقة: إن النظامين العدديين الموجودين في أدمغتنا بدائيان من ناحية تطور النوع. ومعنى هذا أنهما كانا موجودين منذ ملايين السنين في أدمغة البشر، وأدمغة بعض الأنواع السابقة علينا. ويمكننا أن نتعقب أثرهما في الماضي في الأنواع المنقرضة التي كانت سلفا للبشر وغيرها من الفقاريات ذات الصلة. وأما المصدر الثاني للأدلة فهو سلوك الأطفال الصغار الذين لم يكتسبوا مهارة اللغة بعد، ويقترح هذا النوع الأخير من الأدلة أن بعض القدرات الرياضية تتطور في فترة مبكرة من التطور الحيوي للفرد، أي إنها قدرات نمتلكها قبل أن نبدأ في معرفة المفاهيم بصورة عملية في مرحلة الطفولة؛ فهي هبة وراثية. وليس معنى أن الحاستين العدديتين المعنيتين من الهبات الوراثية التي نتمتع بها أننا نلمح إلى غياب الاختلافات بين الثقافات في مدى نمو هاتين القدرتين في عقولنا بينما نكبر في العمر، أو في مدى تمكننا من استخدام هذين النظامين لتحقيق تفكير رياضي أكثر اكتمالا. لا يزال أمامنا إنجاز قدر كبير من العمل، لكي نتمكن من التوصل إلى فهم كامل لطبيعة التفكير الكمي لدى الأطفال في جميع ثقافات العالم. بالرغم من ذلك، فقد أنجزنا من العمل قدرا كبيرا أيضا، وفيما يلي سأولي بالاهتمام قليلا من النتائج البارزة بشأن هذا الموضوع.
لكن أولا ربما يكون لديك سؤال بسيط: كيف يمكننا أن نعرف ما يدور في عقل الأطفال الصغار ولما يكتسبوا مهارة اللغة بعد، ولا يمكن إخبارهم بما يجب عليهم أن يفعلوه في السياقات التجريبية؟ والحق أنها مشكلة صعبة من الناحية المنهجية، وقد استلزمت قدرا من الابتكار كي يتم التغلب عليها. وقد أنتج التغلب على هذه العقبة ما يشبه الثورة في فهمنا للإدراك العددي لدى الأطفال الصغار في الثلاثين عاما الأخيرة، وفي الوقت نفسه شكك في النتائج السابقة التي ربما تكون قد تأثرت بالتوقعات غير العادلة عن حدس الأطفال بخصوص الأهداف المرتبطة بتجارب معينة. وقد تغلب الباحثون على هذه العقبة حينما بدءوا يعتمدون على المهام التي تتطلب القدر الضئيل من مشاركة الأطفال مع القائمين بالتجربة والتفاعل المادي معهم، مع التركيز بالتحديد على ما يسترعي انتباه الأطفال في السياقات التجريبية. وهذا التركيز على الانتباه أمر منطقي؛ نظرا إلى أن البشر، كالأنواع الأخرى، يركزون على المحفزات الجديدة.
تخيل مثالا على بيئة يومية تألفها على الأرجح؛ مطعم مزدحم، حين تدخل المطعم قد تلاحظ طنين المحادثات، وصليل آنية المائدة الفضية وهي تلامس الأطباق، والكئوس وهي توضع على الموائد، وما إلى ذلك. وهذا ما تتوقعه من مثل هذه البيئة، وبينما تجلس وتأكل فإن مثل هذه المحفزات غير الجديدة لن تسترعي انتباهك؛ فسوف تبدأ أنت وبقية زبائن المطعم في تناول الطعام والشراب، مع التركيز على وجباتكم ومحادثاتكم (ولعلها تتضمن محفزات جديدة، وإلا فسوف يخمد اهتمامك بها أيضا على الأرجح). والآن تخيل ما سيحدث إذا دخل محفز جديد إلى حيزك الإدراكي؛ فعلى سبيل المثال يتدحرج كأس من صينية النادل ويهوي على الأرض متهشما. سينجذب انتباهك على الفور إلى صوت التهشم، بينما تحاول تمييز مصدر الضوضاء التي سمعتها للتو. وحين يتغير انتباهك بتلك الطريقة تحدث العديد من الأشياء على المستوى المادي؛ ينجذب بصرك إلى مصدر الضوضاء، ومن المرجح أن جميع رءوس من في المطعم سوف تستدير للتركيز على المحفز الجديد. ومن الأمور التي ستكون أقل وضوحا أنهم سوف يتوقفون عن الأكل للحظة على الأرجح، معلقين أنشطة كالبلع. أما الأمر الأهم فهو أن هذه النزعات إلى تثبيت النظر وإيقاف البلع، هي أمور أساسية من ناحية النمو، وهي تعود إلى طفولتنا المبكرة. ونتيجة لذلك، قد أدرك الباحثون في مجال نمو الطفل منذ فترة من الوقت أنهم يستطيعون معرفة المحفزات التي يعدها الأطفال محفزات جديدة أو غير ذلك؛ ولهذا فعند دراسة انتباه الأطفال، يمكن للباحثين أن يلاحظوا ما إذا كان الأطفال يميزون محفزا جديدا أو لا، سواء أكان هذا المحفز لونا جديدا أو شكلا جديدا أو كمية جديدة. ولكي يتمكن الباحثون من ملاحظة ذلك؛ عليهم أن يتابعوا ما إذا كان هناك أي تغيرات مصاحبة في نظرات الأطفال أو أنماط بلعهم في أثناء تقديم المحفزات لهم. وعند التطبيق يدرس القائمون بالتجربة أنماط الأطفال في النظر والرضاعة خلال مهمات محددة. والتحديق والرضاعة من السلوكيات التي لا يسهل قياسها بشكل دقيق، وقد تطلبت المنهجيات التي تقوم على قياس هذين السلوكين ظهور أدوات جديدة أصبحت موجودة في العقود الماضية الأخيرة. ومن هذه الأدوات سكاتات الأطفال التي يمكن مراقبتها إلكترونيا، وكاميرات الفيديو القادرة على تتبع نظرات الأطفال وحركات عيونهم.
والآن لنتناول بعض التجارب المهمة التي أجريت على الإدراك العددي لدى الأطفال، وجميعها يقوم على افتراض أن الأطفال يحدقون إلى أنواع معينة من المحفزات لمدة أطول. ويجب أن نبدأ بدراسة مشهورة حاليا أجرتها عالمة النفس كارين وين، نشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة «نيتشر» قبل ما يزيد على 20 عاما، وقد نقحت تجاربها وأعيد إجراؤها بطرق مختلفة في السنوات اللاحقة. إن دراسة وين المؤثرة هي نقطة منطقية للبدء بالنسبة إلينا؛ إذ إنها تقترح بقوة أن الأطفال يستطيعون تمييز الاختلافات بين 1 و2 و3، حتى في تلك المرحلة التي تسبق تعلمهم الحديث. وقد كان متوسط عمر هؤلاء الأطفال الذين شملتهم الدراسة 5 شهور تقريبا. وقد تناولت بعض الدراسات الأحدث منها الإدراك العددي لدى الأطفال الأصغر سنا، ومنهم حديثو الولادة. (وسوف نتناول مثل هذه الدراسة بعد قليل.) استعانت وين باثنين وثلاثين طفلا للمشاركة في هذه الدراسة، وقد كانت المهمة التي عين لها نصف الأطفال تختبر قدرتهم على جمع 1 + 1، أما النصف الآخر فقد شاركوا في مهمة تختبر قدرتهم على طرح 2 − 1.
3
Bog aan la aqoon