Tirada iyo Dhismaha Aadanaha
الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية
Noocyada
19
وكأفراد الموندوروكو والبيراها، يجد هؤلاء الأفراد البالغون صعوبة في تمييز كمية عناصر المجموعة بدقة وإعادة إنتاجها، حين تتجاوز الكمية ثلاثة. فعلى سبيل المثال شاهد الصم الذين لا يعرفون لغة الإشارة بطاقات عليها صور لعدد محدد من العناصر، ثم طلب منهم أن يمثلوا عدد العناصر الموجودة على البطاقة باستخدام أصابعهم. وحين كان عدد العناصر المصورة على البطاقات واحدا أو اثنين أو ثلاثة، كانوا يمثلون العدد الصحيح بأصابعهم في جميع المحاولات. أما في الكميات الكبيرة فقد انخفضت نسبة إجاباتهم الصحيحة، وازداد مقدار أخطائهم وفقا لزيادة كمية العناصر. وعلى العكس من ذلك، فالذين يتحدثون لغة الإشارة الرسمية من الصم النيكاراجاويين، الذين يعرفون مفردات الأعداد، لم يخطئوا، وكذلك أهل نيكاراجاوا من غير الصم، الذين يعرفون مفردات الأعداد بالإسبانية. وموجز القول أن النتائج التي حصل عليها الباحثون من النيكاراجاويين تقترب من استنتاج قد أصبح الآن مألوفا، وهو أن البشر يحتاجون إلى استخدام مفردات الأعداد لكي يتمكنوا من أن يميزوا بين الكميات الأكبر من ثلاثة بدقة واتساق.
خاتمة
إذا كانت للأعداد هذه الفائدة الكبيرة من الناحية الإدراكية، فلماذا اختارت بعض الجماعات أن تتخلى عنها أو فشلت في استخدامها؟ يمكننا أن نعمد إلى تقديم إجابات مسكنة عن هذا السؤال، فيمكننا أن نقول مثلا: إن «هؤلاء البشر أفضل حالا دون استخدام الأعداد.» لكن ثمة احتمالا كبيرا بأن هذه الإجابات تتسم بالنزعة الأبوية أو تضع النسبية الثقافية في غير محلها. والأرجح أن الإجابة الحقيقية عن هذا السؤال قد ضاعت فيما لم يكتب من تواريخ الثقافات المعنية، وذلك في حالة الموندوروكو والبيراها على الأقل. من المؤكد أن هذه الجماعات كانت ستستفيد من المزايا التي يوفرها استخدام هذه الأدوات المعرفية العجيبة، غير أنه من المؤكد أيضا أن هذه الجماعات قد تمكنت من البقاء على مدار فترة طويلة، ونجحت في البيئات التي تعيش بها دون مساعدة الأعداد.
20
على ضوء فائدة الأعداد وانتشارها في معظم لغات العالم؛ فإن وجود الجماعات اللاعددية هو أمر صادم بطريقة ما، غير أن المخزون العالمي من اللغات يقدم لنا، على نحو لا بد منه، استثناءات لتوقعاتنا بأن بعض السمات اللغوية يجب أن تكون عالمية. إن الثقافات واللغات يختلف بعضها عن بعض اختلافا جذريا. وإذا سلمنا بهذه الحقيقة، فلن نندهش بالقدر نفسه عندما نعرف أن بعض البشر يعيشون في عوالم بلا مفردات للأعداد، أو أرقام أو إشارات عددية متفق عليها، أو غيرها من الإشارات التي تعبر عن كميات محددة. وقد أشرت ضمنيا في هذا الفصل إلى أن ذلك أمر مفيد في سياق مسعانا الحالي لفهم الكيفية التي غيرت بها الأعداد خبرتنا البشرية؛ فهذه الجماعات من البالغين الأصحاء الذين ينتمون إلى ثقافات لا عددية، توفر لنا نافذة ثمينة على طبيعة التفكير الكمي لدى البشر. وهي تقدم لنا دليلا واضحا على أنه بدون الأعداد لا نستطيع أن ننمي قدراتنا الفطرية لكي نفهم جميع الكميات بشكل كامل.
الفصل السادس
الكميات في عقول الأطفال الصغار
بالرغم من أننا نتتبع عمرنا ووجودنا إلى اللحظة التي طردنا فيها من أرحام أمهاتنا، فذلك لأن هذه الطريقة ملائمة لنا بدرجة كبيرة، أما الواقع فهو أننا ننفصل عن مرحلة اللاوعي، وتدب فينا الحياة تدريجيا ونحن في الرحم. وهذا الانفصال مقيد بطبيعة الحدود المحيطة بنا التي تمنع معظم المحفزات من التأثير على حيواتنا العقلية. لكن الرحم لا يستطيع أن يمنع جميع المحفزات من الوصول إلينا، وفيه نبدأ التواصل مع المحفزات المادية الخارجية التي يكون لها تأثير عميق على حيواتنا المعرفية والسلوكية بداية من ذلك الوقت فصاعدا، وهي أصابعنا. إنها محفزات أساسية من الناحية التجريبية؛ فهي تتلمس طريقها إلى خبرتنا الحسية، وحتى أفواهنا، قبل أن نعي بالروائح والمناظر والأصوات (مع القليل من الاستثناءات). في المرة الأولى التي رأيت فيها وجه ابني، كان ذلك على جهاز التصوير بالأشعة فوق الصوتية ثلاثي الأبعاد، قبل ولادته بشهرين، وكانت أصابعه تطفو في المساحة الموجودة بجوار خديه، وقد بدا ذلك تأكيدا راسخا لوجوده الجديد. قبل أن يرى الضوء الحقيقي، كان «يرى» الأصابع حوله وهي تلمس هذه الأجزاء المتفردة من جسمه، ويبدو أنه يشعر بها واحدة بعد الأخرى، وينطبق الأمر نفسه على بقية الأجنة في الأرحام. وهذه المرحلة من الحياة فيما قبل الولادة هي البداية فقط لرحلة معرفية طويلة نخوضها مع أصابعنا جنبا إلى جنب. إن كمية الأصابع الموجودة في أيدينا تؤدي دورا أساسيا في تفكيرنا العددي الذي يميزنا بصفتنا بشرا، ويتضح هذا الدور في كثرة تسمية البشر على مستوى العالم للأعداد باسم المصطلحات التي يستخدمونها للإشارة إلى الأيدي. بالرغم من ذلك، فقبل أن نلقي الضوء على ذلك الدور الأساسي، فإننا نحتاج إلى فهم تلك المفاهيم العددية التي قد تسبق وعينا بأصابعنا التي يمكن عدها، بصورة أوضح؛ ذلك أننا حتى وإن كنا نلتقي بأصابعنا في وقت مبكر للغاية، يبدو أننا نكون واعين ببعض هذه الفروق العددية حتى قبل مثل هذا اللقاء. فعلى أي حال، يزود البشر منذ البداية بالأنظمة العصبية المعرفية المذكورة في الفصلين الرابع والخامس: الحاسة العددية التقريبية، وما أسميته بالحاسة العددية الدقيقة. وهاتان الحاستان معا يسمحان لنا بإدراك الفروق الكمية في مرحلة مبكرة من الحياة.
1
Bog aan la aqoon