فهز حسين رأسه بكآبة وقال باقتضاب: استغنوا عني!
فقالت المرأة بإنكار وقد داخلتها خيبة جديدة: استغنوا عنك؟! أتعني أنك عاطل الآن؟!
وقبل أن يفتح فمه قرع آذانهم دق عنيف على الباب، فتبادلت المرأة وابنها نظرة ذات معنى، ثم غادرت الحجرة فلحق بها الشاب بعد أن أغلق الباب وراءه، وقال لها في الردهة الخارجية: هذا أبي بلا ريب.
فقالت له بقلق: أظن هذا، هل رآك؟ .. أعني رآكم وأنتم قادمون؟
ولكن الفتى لم يجبها، وتقدم من الباب وفتحه، فدخل المعلم كرشة مندفعا، وما إن رأى ابنه حتى قال وعيناه تحمران، وضباب الغضب يغشى وجهه: أهذا أنت؟! .. قالوا لي ذلك فلم أصدق .. لماذا عدت؟!
فقال حسين بصوت منخفض: يوجد في البيت غرباء، هلم إلى حجرتك نتكلم.
ومضى الشاب مسرعا إلى حجرة أبيه، فتبعه المعلم مزمجرا، ولحقت بهما المرأة، ثم أشعلت المصباح وهي تقول لزوجها في رجاء وتحذير: في الحجرة الأخرى زوج ابنك وشقيقها.
وارتفع جفنا الرجل الثقيلان في ذهول وهتف: ماذا تقولين يا مرة؟! .. أتزوجت حقا؟
واستاء حسين من أمه لأنها ألقت عليه الخبر دون تمهيد، ولم ير بدا من أن يقول: نعم يا أبت تزوجت.
وسكت المعلم دقيقة وهو يقرض أسنانه بحنق وغيظ، ولكنه لم يفكر لحظة في معاتبة ابنه على الزواج بدون علمه؛ لأن المعاتبة في نظره حال من المودة، وصمم في اللحظة التالية على إهمال هذا الخبر كأنه لم يسمعه، وقال بغيظ وحقد: هذا شيء لا يعنيني ألبتة؛ ولكن دعني أسألك لماذا عدت إلى بيتي؟ .. لماذا أريتني وجهك بعد أن أراحني الله منه؟
Неизвестная страница