فتنهد بصوت مسموع متكلفا الحزن، وإن لم تخنه ثقته شأن رجال الأعمال، وقال بصوت آسف: لا أكاد أصدق أني انخدعت بك. رباه! أتصبحين يوما من عرائس المدق؟! حبل وولادة .. وحبل وولادة .. إرضاع أطفال على الأرصفة، ذباب وبصارة وفول، ذبول وترهل؟! .. كلا، كلا .. لا أريد أن أصدق هذا.
فصاحت به غير متمالكة نفسها: كفى!
وانطلقت نحو الباب فنهض مسرعا، ولحق بها وهو يقول برقة: «رويدك.» ولكنه لم يعترضها ففتح لها الباب، وخرجا معا. جاءت سعيدة غير هيابة، وذهبت مهيضة ذاهلة. ووقفا أمام الباب الخارجي حتى جاءهما غلام بتاكس ودخلاه كل من باب، ومضى بهما مسرعا. ابتلعتها أفكارها فغابت عن الدنيا، وجعل يسترق إليها النظر صامتا دون أن يجد حكمة في خرق الصمت المخيم. وانطوى الطريق على هذا الحال حتى بلغ التاكس منتصف الموسكي، فأمر السائق بالوقوف، وتنبهت على صوته فألقت ببصرها إلى الخارج ثم تزحزحت قليلا استعدادا للنزول، فوضع يده على أكرة الباب ليفتحه لها، ولكنه تريث قليلا، ثم مال نحوها فلثم منكبها وهو يقول: سأنتظرك غدا.
فابتعدت عن الباب وهي تقول باقتضاب وحدة: كلا!
فقال ويده تدير الأكرة: سأنتظرك يا محبوبتي .. وستعودين إلي.
ثم قال لها وهي تغادر التاكس: لا تنسي الغد، سنبدأ حياة جديدة رائعة .. أحبك .. أحبك أكثر من الحياة نفسها.
وراح يرقبها وهي تبتعد متعجلة، وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة وقال لنفسه: «مليحة بلا أدنى شك، وهيهات أن يكذبني ظني، فهي موهوبة بالفطرة .. هي عاهرة بالسليقة .. وسوف تكون نادرة المثال.»
24
سألتها أمها: لماذا تأخرت؟
فأجابتها بلامبالاة: دعتني زينب إلى بيتها فذهبت معها.
Неизвестная страница