والإعراض عن المال ، أمرهم بعد ذلك بالاستعانة على حوائجهم بالصبر والصلاة ، فقال : ( واستعينوا بالصبر ) بحبس النفس على ما أنتم فيه من ضيق المعاش ، وانتظار النجح والفرج توكلا على الله ، أوبالصوم الذي هو صبر عن المفطرات ، لما فيه من كسر الشهوة وتصفية النفس ، وهذا مروي عن ائمتنا (1) عليهم السلام .
( والصلاة ) وبالتوصل والتوسل إلى الصلاة والالتجاء إليها ، فإنها جامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية من الطهارة وستر العورة وصرف المال فيهما ، والتوجه إلى الكعبة ، والعكوف للعبادة ، وإظهار الخشوع بالجوارح ، وإخلاص النية بالقلب ، ومجاهدة الشيطان ، ومناجاة الحق ، وقراءة القرآن ، والتكلم بالشهادتين ، وكف النفس عن الأكل والنوم والجماع ، حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب وجبر المصائب. روي أنه صلى الله عليه وآلهوسلم إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة.
ويجوز أن يراد بالصلاة الدعاء ، وأن يستعان على البلايا بالصبر والالتجاء إلى الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في رفعه. والأول أظهر وأشهر. ويؤيده ما روى عن ابن عباس أنه نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر ، فاسترجع وتنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : استعينوا بالصبر والصلاة.
( وإنها ) أي : الاستعانة بهما أو الصلاة ، وحينئذ تخصيصها بها لعظم شأنها ، لاستجماعها ضروبا من الصبر ( لكبيرة ) لثقيلة شاقة ، كقوله : ( كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ) (2) ( إلا على الخاشعين ) أي : المخبتين ، لأنهم الذين يتوقعون ما ادخر للصابرين على مشاقها فتهون عليهم ، بل يستلذون بسببه متاعبها ، ومن ثم قال صلى الله عليه وآلهوسلم : وجعلت قرة عيني في الصلاة ، وقال لبلال : روحنا.
Страница 141