إما عن طريق ، أو ابتداء بلا طريق ، فلأجل ذلك علموا تميزه واختصاصه. وإما أن يكون لهم لغات مختلفة ، فكل قبيل منهم يعرف أسماء الأجناس في لغته دون لغة غيره ، فلما أراد الله التنبيه على نبوته علمه جميع تلك الأسماء ، فلما أخبرهم بها علم كل فريق مطابقة ما اخبر به من الأسماء للغته ، وعلم مطابقة ذلك لباقي اللغات بخبر كل قبيل. ولا شبهة أن إحاطة عالم واحد بأسماء الأجناس في جميع لغاتهم خارقة للعادة دالة على صحة قوله.
وفي هذه الآيات دلالة على أن تعليمه سبحانه الأسماء كلها بما فيها من المعاني وفتق لسانه بذلك معجزة أقامها الله للملائكة ، دالة على نبوته وجلالة قدره وتفضيله عليهم. وأن شرف الإنسان بمزية العلم وفضله. وأنه شرط في الخلافة. وأن التعليم يصح إسناده إلى الله تعالى ، وإن لم يصح إطلاق المعلم عليه ، لأن اللغات توقيفية. وأن مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم ، وإلا لتكرر قوله : أنت العليم الحكيم. وأن علوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة. وأن آدم أفضل من الملائكة ، لأنه أعلم منهم ، والأعلم أفضل ، لقوله تعالى : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (1). وأنه تعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها.
( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (34))
ولما أنبأهم بالأسماء وعلمهم ما لم يعلموا أمرهم بالسجود له سجدة تعظيم ، اعترافا بفضله ومزية درجته ، وأداء لحقه ، واعتذارا عما قالوا فيه ، فقال : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ). وقيل : أمرهم به قبل أن يسوي خلقه ، لقوله تعالى : ( فإذا
Страница 120