اكتبي اسمك الثلاثي مثل زميلاتك.
تمسك إصبع الطبشور، وتكتب: «زينة بنت زينات!»
ثم تستدير بجسمها لتنظر إلينا، المقلتان الكبيرتان في عينيها تشعان وهجا أسود، والمدرس يشخط: «اكتبي اسم أبيك وجدك، يا حمارة!»
تتقد الشعلتان السوداوان بنار زرقاء، تلقي إصبع الطبشور إلى الأرض، تدوسه بقدميها، ثم تمشي برأسها المنتصب إلى مقعدها في الصف الأخير.
كان المدرس يعلمنا مبادئ اللغة والدين، يقول: إن الطفلة التي تحمل اسم أمها هي بنت زنى.
كان يعلمنا المفرد والجمع: «كلمة» جمعها: «كلمات»، «تحية» جمعها: «تحيات»، «زنى» جمعها: «زنات».
فوق جدران المراحيض في المدرسة أصبحنا نكتب اسمها: «زينة بنت زنات»، لكنها لم تكن تقرأ ما نكتبه، ولا تحضر إلى المدرسة كل يوم كما نفعل. كانت تأتي مرتين في الأسبوع لتحضر حصة الموسيقى يومي الثلاثاء والخميس مع أبلة مريم، ثم صدر القرار بفصلها من المدرسة. لم أعد أراها إلا صدفة في الشارع.
أبلة مريم كانت تدرسنا العزف على البيانو. تمسك أصابع زينة بنت زينات في يدها، ترفعها عاليا في الفصل؛ لنراها. تفخر أبلة مريم بأصابع زينة، تقول: إنها خلقت للموسيقى، إنها طفلة موهوبة، ليس في الفصل واحدة موهوبة مثلها. تلمع الدموع في عيني زينة، لا تسقط من عينيها دمعة واحدة، فقط تشتد اللمعة في المقلتين السوداوين حتى نظن أنها دموع، ثم تخيب ظنوننا حين تشرق عيناها بابتسامة تضيء وجهها الشاحب النحيل. يشف الضوء من تحت بشرتها السمراء الدكناء المشققة لتصبح ناعمة وردية اللون.
أرمق أصابع زينة الطويلة النحيلة الصلبة وهي تعزف، تجري أناملها القوية فوق أصابع البيانو بسرعة الضوء، ينطلق صوتها وهي تغني أنشودة الوطن. صوتي إلى جوار صوتها متحشرج مبحوح، مكتوم، ومكبوت. أصابعي إلى جوار أصابعها قصيرة سمينة ليس فيها عظام، تشبه أصابع أمي البضة البطيئة الحركة. أمي «بدور هانم» حرم الأستاذ الكبير زكريا الخرتيتي، وهي أيضا أستاذة كبيرة تحتل مكانة أدبية مرموقة.
في الليل، كانت صورة زينة بنت زينات تظهر لي في الحلم، أراها جالسة فوق المقعد الصغير بدون ظهر تعزف على البيانو، دون أن تنظر إلى أصابعها. عيناها مرفوعتان إلى النوتة الموسيقية، تقلب الصفحة وراء الصفحة، تحفظ اللحن عن ظهر قلب، كأنما هي صاحبة الأنغام التي تعزفها، صاحبة الكلمات في الأغنية. وأصابعها تتحرك وحدها دون إرادة منها.
Неизвестная страница