فقال المطران يغير الحديث: هذا الحجال «المطرزة» من أفخر وألذ ما طبخ، فأجابه يوسف أفندي وهو يحدج مريم بعينه الجاحظة: في «التطريز» يا سيدنا لذة غريبة.
فقال سيادته يغير الحديث ثانية: وكيف حال عارف؟ - لم يزل «يطرز» في بيروت.
فابتسم المطران وأمعن القائمقام في الضحك، أما رئيس الدير فلم يسمع النكتة؛ لأنه كان يحدث الست هند بصوت خافت في موضوع ظهر من إصغائها إليه أنه يهمها جدا. - وهل أتم عارف دروسه؟ - تممها قبل أن يدخل المدرسة، الغلام يا سيدنا سر أبيه، وهو قريبا يعود إلينا غانما ظافرا إن شاء الله، يا ظريفة هاتي الشمبانيا.
فسارعت الخادمة إلى الدلو في الصهريج تلبي الطلب، وكان يوسف أفندي قد اخترع طريقة لتبريد الشمبانيا تقوم مقام الثلج إذا نفد، وفي الناصرة كما في باريس ولندرا قطعة الثلج تعد من الأعلاق، فاستغنى يوسف أفندي عنها بحبل ودلو وصهريج. - لا أنكر أن هذه العروس أجمل على المائدة إذا تسربلت بالثلج والفضة فلا يبدو منها غير فمها الذهبي، ولكننا في الناصرة يا سادة، وسرابيل العروس تعيق في مثل هذه الساعة.
ثم فتح يوسف أفندي القنينة بلياقة نادرة كأنه خدم عشرين سنة في نزل باريسي شهير، فطارت الفلينة وسقطت على رأس المطران، فضحكت الست هند وقالت: ستربح الليلة يا سيدنا. - لا يربح من يلعب معك يا ست هند.
فقال القائمقام: ولكن حضرة الرئيس يدحض قول سيادتكم، فهو دائما من الرابحين.
فنظرت الست هند إلى الراهب كأنها تتلو عليه بلحظها بيتا من الشعر.
فقال يوسف أفندي: كل ربح على طاولة القمار خسارة، أما الربح الحقيقي، الربح الحقيقي عندك سيدنا؛ الربح الحقيقي في البر والتقوى وال ...
وكانت مريم تقدم إذ ذاك الثمر فأوقفها قربه يتعلل بالاختيار، فأخذ خوخة واحدة بيده وأخرى من خدها بنظره، وهو يقابل في نفسه بين لون شفتيها ولون الثمر، والست هند تراقبه سرا، وتظهر لرئيس الدير أنها صاغية لحديثه. - ما أجمل لون هذه الثمرة، بالله يا هند أن تروي لنا بيتا من الشعر فيه ذكر خوخ الخدود.
فقالت الست هند على الفور وهي تنقر الطاولة بأناملها: «ألا خدد الله ورد الخدود»، وسكتت.
Неизвестная страница