أبعدَ الَّذي قدْ لجَّ تتَّخذيننِي ... عدوًّا وقدْ جرَّعتنِي السُّمَّ مُنْقعا
وشفَّعتِ مَن ينعَى عليَّ ولمْ أكنْ ... لأُرجعَ من ينعَى عليكِ مُشفَّعا
فقالتْ وما همَّتْ برجعِ جوابِنا ... بلْ أنتَ أبيتَ الدَّهرَ إلاَّ تضرُّعا
فقلتُ لها ما كنتُ أوَّلَ ذِي هوًى ... تحمَّلَ حِملًا فادحًا فتوجَّعا
وقال آخر:
وقالتْ وصدَّتْ وجهَها لتغيظَنِي ... أبِالصَّدِّ تُجزَى أمْ علَى الذَّنبِ توصلُ
فقلتُ متى أذنبتُ قالتْ تريدهُ ... فقلتُ فلمْ أفعل فقالتْ ستفعلُ
فقلتُ وهلْ أُجزَى بذنبٍ لمْ آتهِ ... ولكنْ ظفرتمْ بالمحبِّينَ فاقْتُلوا
وقال آخر:
شكوتُ فقالتْ كلُّ هذا تبرُّمًا ... بحبِّي أراحَ اللهُ قلبكَ مِن حبِّي
فلمَّا كتمتُ الحبَّ قالتْ لشدَّ مَا ... صبرتَ وما هذا بفعلِ شَجِي القلبِ
فشكوايَ تُؤذيها وعَتْبي يسوؤُها ... وتغضبُ مِن بعدِي وتنفرُ مِن قربِي
فيا قومِ هلْ منْ حيلةٍ تعرِفونَها ... أشِيروا بِها واستوجبُوا الأجرَ في الصَّبِّ
وأنشدني أعرابي بنجد:
ذكرتكِ إذا نامَ الخليُّ ولمْ أنمْ ... وإذْ أنتِ في شغلٍ بلهوكِ عنْ ذكرِي
وإذْ أنتِ تثنينَ الكَعابَ بقصرهِ ... وقلبِي لهُ لذعٌ أحرُّ منَ الجمرِ
فإنْ أنا لمْ أشكُو الهوَى قلتِ قدْ صحَا ... وإنْ بحتُ فيهِ خفتِ أنْ يعلَمُوا أمرِي
وليسَ خليلِي بالمُرجَّى ولا الَّذي ... إذا غبتُ عنهُ كانَ عونًا علَى الدَّهرِ
ولكنْ خليلِي مَن يصونُ مودَّتِي ... ويحفظُنِي إنْ كانَ مِن دونِ البحرِ
وأنشدني أحمد بن طاهر لنفسه:
ذهبتِ علَى صبٍّ شكَا ألمَ الهوَى ... كما ذهبتْ أرضٌ وَطئتِ ترابَها
وكانَ يُرجِّي نفعَ شكواهُ إذْ شكَا ... إليكِ فقدْ أمسَى يخافُ عقابَها
وقال المؤمل:
شكوتُ وجدِي إلى هندٍ فما اكترثتْ ... يا قلبَها أحديدٌ أنتَ أمْ حجرُ
إذا مرِضْنا أتيناكمْ نعودكمُ ... وتذنِبونَ فنأتيكمْ فنعتذرُ
وبلغني أنَّ عبد الملك بن مروان جلس يومًا للنظر في المظالم فرُفعت إليه قصةٌ منسوبة إلى عمرو بن حارث وكان فيها:
عَلِقتُ بأسبابِ المودَّةِ والهوَى ... فلمَّا حوتْ قلبِي ثنتْ بصدودِ
فلوْ شئتَ يا ذا العرشِ حينَ خلقْتَني ... شقِيًّا بمنْ أهواهُ غيرَ سعيدِ
عطفتْ عليَّ القلبَ منها برحمةٍ ... وإنْ كانَ قلبًا مِنْ صفًا وحديدِ
فقلْ يا أميرَ المؤمنينَ فإنَّما ... تُحكَّمُ والأحكامُ ذاتُ حدودِ
فلمَّا قرأها عبد الملك قلبها ثمَّ وقَّع في ظهرِها:
أرَى الجَورَ منها ظاهرًا يا ابنَ حارثٍ ... وما رأيُها فيما أتتْ برشيدِ
أمِنْ بعدِ ما صادتْ فؤادكَ واحتوت ... عليهِ ثنتْ وجهَ الهوَى بصدودِ
فإنْ هيَ لمْ ترحمْ بكاكَ ولا حنَتْ ... عليكَ فما منكَ الرَّدى ببعيدِ
سأَقضِي عليها أنْ تُجازِي بودِّها ... أخَا صبوةٍ جارتْ عليهِ وَدودِ
ولبعض أهل هذا العصر:
مَنْ لي بعطفِ أخٍ خلَّى الإخاءَ ورَا ... ظهرٍ ومِن ثمَّ مارَى الرُّوحَ في اللَّطَفِ
حتَّى يصيِّرَها إنْ خُيِّرتْ تلَفًا ... وفُرقةً منهُ لمْ تخترْ سوَى التَّلفِ
أغريتَ بيني وبينَ الدَّهرِ فاحتشدتْ ... بيَ الخطوبُ احتشادَ المُحنَقِ الأسِفِ
حتَّى إذا أنِسَتْ نفسِي بأنَّكَ لي ... واستعذبَتْ طيبَ ذاكَ المشربِ الأُنُفِ
أمْكنتَ منِّي اللَّيالي فانتصفنَ ومَنْ ... يُظلَمْ ويُمكنْ مِنَ الإنصافِ ينتصفِ
يا قلبُ وصفكَ يُغرِي مَن كلفتَ بهِ ... فاكْمِدْ بكتمانِ ما تلقَى ولا تصفِ
إنْ كنتَ لمْ تشجَ بالكتمانِ فاشجَ بهِ ... أوْ كنتَ لمْ تعترفْ بالصَّرمِ فاعترفِ
قلْ للَّيالي مَلَكتِ الحكمُ فاحتَكِمِي ... وللمصائبِ قدْ مُكِّنتِ فانتصفِي
وله أيضًا:
يا مُنيةَ القلبِ لوْ آمالهُ انفسحتْ ... وحظَّ نفسيَ مِنْ دينِي ودُنيائِي
قلْ لِي تناسيتَ أمْ أُنسيتَ أُلفَتَنا ... أيَّامَ رأْيكَ فينا غيرُ ذا الرَّائِي
1 / 17