Ямини
اليميني
قد كان أبو بكر مرموقا بعين النباهة في صدر هذه الدولة، لمكانة أبيه من الزهادة «7»، وضمه الأطراف على العبادة، واقتفائه نهج أبيه فيما كان ينتحله وينتحيه. وكان الأمير ناصر الدين سبكتكين يرى من عصابته «8» في التزهد والتعفف، والترهب والتقشف ما قل وجود مثله في كثير من فقهاء الدين، وأعيان المتعبدين، فحلى «9» ذلك في قلبه كما حلى بعينه، والمجاهد في الله محبوب، وقد يكرم أهل الشفاعات من له ذنوب. واستمر السلطان بعده على وتيرته في ملاحظتهم [232 أ] بعين الاحترام، وإيثار طوائف الكرامية بالإكرام، حتى قال أبو الفتح البستي «1» فيما شاهده من نفاق أسواقهم:
الفقه فقه أبي حنيفة وحده ... والدين دين محمد بن كرام
إن الذين أراهم لم يؤمنوا ... بمحمد بن كرام غير كرام
وانضاف إلى هذه الوسيلة القوية، والذريعة الإلهية، أنه لما تورد جيوش الخانية خراسان، عند غزو «2» السلطان ناحية الملتان، قبضوا بنيسابور على أبي بكر احتياطا لأنفسهم من شيعته، واحتراسا من غامض مكيدته، ونقلوه في جملتهم حين طلعت رايات السلطان من مغاربها، وأومضت «3» سيوف الحق عن مضاربها، إلى أن وجد فيهم فرصة الإفلات، والسلامة على مس تلك الآفات، فاعتد السلطان ذلك له في سائر مواته، وأوجب له حقا «4» يلحظه بعين مراعاته.
ونبغت «5» من أرباب البدع الباطنية- على ما تنامست «6» به البلاغات، والله أعلم بما تجنه الضمائر والنيات- فئام «7» وافقت تصلبا من السلطان في استئصالهم، وتعصبا لدين الله تعالى في احتناك أمثالهم، فحشروا [232 ب] من أطراف البلاد، وصلبوا عبرة للعباد.
وكان أبو بكر أحد أعوان السلطان على رأيه حشرا إليه، وتصويبا للرأي عليه، فصار البرى ء كالسقيم مذعورا، وعاد الملأ في عارض الخطب شورى. ورأى الناس أن ريقته السم القاتل، ومدته «8» السيف القاصل، فبخعوا له بالطاعة، وفرشوا له خدود الضراعة.
Страница 424