Ямини
اليميني
وقد كان الأمير أبو الفوارس أخو الأمير سلطان الدولة مقيما بكرمان، فشجر بينهما خلاف اقتضى سلطان الدولة تجريد الجيوش لقصده، واستصفاء تلك النواحي واستخلاصها من يده؛ فنهض هو لمقاومتهم، وكف [208] عاديتهم. وأوقدوا بينهم حربا، أفنت الرجال أكلا وشربا، واجتاحت الأرواح طعنا وضربا. واستمرت الكشفة بأتباع الأمير أبي الفوارس فانقلبوا منهزمين، وأقبل هو نحو سجستان يؤم حضرة السلطان يمين الدولة وأمين الملة ممتطيا رجاءه، ومستنهضا كرمه لرده وراءه. وقد كان أنهي إلى السلطان خبر إقباله؛ فأمر أبا منصور نصر بن إسحاق النائب عن الأمير أبي المظفر نصر بن ناصر الدين سبكتكين بخدمة استقباله، وتكلف الواجب من أنزاله، وأنزال من معه من طبقات رجاله، ونثر «1» عشرة آلاف دينار من خاص ماله، فبلغ من ذلك مبلغا شهد من كان شاهدا بسجستان من قرائها «2» وطرائها «3» إلى أحدا من ملوك هذه الأقاليم لم يتكلف مثله لأحد من أولاد الملوك، ولم يخل «4» أن مثله «5» يسمح به تيار البحور ، فكيف أقطار الصدور؟!
واكتسب أبو منصور بذلك لنفسه ذكرا عقد بالنجوم «6» ضفائره، وأفاض على الشرق بعضه وعلى الغرب سائره. ولما وصل إلى حضرة السلطان، أوجب قضاء حق مقدمه بالاستقبال، وتلقي عظيم قدره «7» بالإجلال، وحمل إليه من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام، والإنعام «8» بكل ما ينتمي إلى قبيل [209 أ] الإكرام، ما وقع عند الخاص والعام موقع الاستعظام، ما خلا الهمة «9» التي ترى الدنيا خارجة عن ملكها شعرة من أبشارها، وصوفة من أوبارها، وغرفة من بحارها، بل قطرة من أمطارها.
وأقام عنده «10» قرابة ثلاثة أشهر ضيفا لا يتميز عن الأدنين «11» أرحاما وشيجة، وأنسابا قريبة، حتى إذا نشط للانصراف، والتمس معونته على عارض الخلاف، ارتاح السلطان لما استدعاه، فأعطاه فوق رضاه، أموالا أحفت أقلام الكتاب، وأوهت أنامل الحساب.
Страница 382