وأذن لهؤلاء الرسل على هذه الهيئة حتى لقوه، وأقاموا «7» من رسم الخدمة ما افترضوه. ثم عدل بهم إلى الموائد في دار قد فرشت بما لم يحك غير الجنة، مزينة للمتقين، معرفة للعارفين. وفي كل مجلس دسوت «8» من الذهب الأحمر بين جفان كأحواض، وأطباق كبار قد نضد بها من صدره إلى قدمه بما يشاكله من الأواني الفائقة، والآلات الفاخرة الرائقة. وهيى ء لخاص مجلسه طارم «9» قد جمعت ألواحه وعضاداته بضباب «10» الذهب، وصفائحه وثقت «11» بمسامير من جنسه، وفرش من الدبابيج المثقلة بما لا تدرك الأبصار منه غير حمرة الذهب، وفي الصدر منقلة مقسومة ببيوت مضلعة ومستديرة، يشتمل كل منها على نوع من الجواهر التي أعيت أمثالها أكاسرة العجم، وقياصرة الروم، وملوك الهند، وأقيال العرب. وحوالي المجلس أطباق ثخان من الذهب مملوءة بالمسك الأذفر، والعنبر الأشهب، والكافور العطر، والعود العبق، وهلم جرا إلى ما يملأ الأبواع «1» والأيدي من أترجات [مصوغة، ونارنجات] «2» مصنوعة، وما يشبه الفواكه من عقيان وبذخش «3» وبهرمان «4»، إلى أوان [180 ب] لم يسمع بمثلها رقة أجسام، ودقة صنعة وإحكام.
وطاف على الرسل ولدان كالدر المنثور «5»، واللؤلؤ المكنون، براح كالماء المعين، ورضاب الخرد العين، إلى أن أشفقوا من عثرات العقول «6»، فاستأذنوا للقفول، وصرفهم السلطان يمين الدولة وأمين الملة بعد هذه المأدبة، ورآهم بما أوجبته همته من تحقيق أمانيهم، ورعاية حق الصلح «7» فيهم. وبقي الأخوان على جملتهما في المنافرة والمناورة «8»، والمكاوحة والمكافحة، إلى أن توسط السفراء بينهما، ففصلوا الأمر على ما كف كلا منهما عن صاحبه، على ما سنورد ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
Страница 332