مهاجرة
نفخ نفخ
وجوه وحكايات
وجوه وحكايات
تأليف
مارون عبود
معلم
عرفته في عنفوان شبابه، صدر كالصندوق على فخذين كعضادتين، وهامة تثبت للعلماء أنه كان على وجه الأرض عمالقة، في مشيته شيء من الخيلاء يبرئ تسميتها غطرسة، كأن خطواته موقعة إيقاعا أو مقسمة بالبيكار، مشي السحابة لا ريث ولا عجل، ولكن ليس إلى بيت جاراته.
يتزيا بزي العلماء ويتوقر مثلهم، فأبداه غنبازه «الديما» أطول مما هو، هو متأنق في كل شيء حتى الحديث، كان يرطل كل كلمة ويروزها قبل أن تنطلق في الهواء، رأسه ثقيل كما يعبر العوام عن الرصانة، يدور على قدميه بكل مهابة، إن التفت كأنه مصراع بوابة الدير المصفحة، فلا تسمع منه جلنبلق كما أكد لنا أبو عثمان المازني إذ حدثنا عما يقوله مصراعا الباب عند الغلق والإصفاق.
فحصت ضميري فحص مؤمن موسوس قبل الاعتراف لأتذكر ابتسامته فأصفها، فما تذكرت قط أني رأيته باسما، أذكر أن لثته كانت محمرة، ولهذا حكاية رأيتها وأنا ابن خمس حين كان يعلمنا الألفباء؛ قال لأحد رفقائنا النجباء: قاف. فانتصب بوجهه كالمارد، فغضب المعلم لهذه البلادة، هو يريد الحرف المعروف لا الوقوف، فرفع شفته العليا وأرخى السفلى، وربسه بيديه ساخطا.
Неизвестная страница