فطرب جبور لسماع كلمة بك منها. أما حرصها جدا على أن تخاطبه دائما بيا بك، وعلمها كيف تجيب الزوار، فإذا قالوا مثلا: الخواجا جبور في البيت. فعليها أن تجيب: نعم، البك في البيت. أو: لا، جناب البك في المدينة.
وبعد تنهد وشهيق قال جبور: أبصرت في نومي أني على ظهر حصان مثل حصان مار جريس وأعظم. فقالت ناهيل على الفور: الخيل عز يا بك! - وأني في سهل مد العين والنظر، الحصان يشخر وينخر وأنا ألهث وأطحر حتى وصلنا إلى رأس جبل عال، فامتد قدامنا سهل جديد، ما بلغت آخره حتى اتصل بسهل آخر أطول منه، سهول أعرفها من قبل، ولكني كنت أتعجب من اتصال بعضها ببعض، وأخيرا انفتحت هوة قدامي وانشقت الأرض وبلعتني.
فوجمت ناهيل، ثم تذكرت أن الأحلام تعبر بالمقلوب، فقالت: عشت عمرا جديدا ...
وطلعت الشمس وانصرف جبور إلى سياسة الرعية ... ومرت شهور وما خلف الله عليه بشيء، فتذكر التجارة في البرازيل، رأى أن تحديد الأسعار مريح، فجعل لكل قضية سعرا؛ ناطور لا خلاف عليه: هدية لا بأس بها، وإذا كان خلاف فالسعر من خمس ليرات فصاعدا، والمختار من عشر إلى عشرين، والشيخ من خمسين إلى مائة، والتوقيف في حبس القلعة من خمس وما فوق، تبعا للمدعي والمدعى عليه، وإحضار وجيه تحت الحفظ من عشرين إلى ما يمكن تحصيله، أما «ملحوظات المدير» فيكون سعرها حسب أهمية الدعوى، وحضور المآتم: المدير وحده خمس ذهبات، وإذا كان معه ضابطية يواكبون النعش، فلكل نفر ذهب.
وكانت آيته الذهبية: الفصاد على قدر الدم. وكان يضحك من مكاتيب التوصية ويسميها «عملة ورق»، ويقول: جواب الورق ورق مثله ...
وحدث حادث مستعجل والكاتب غائب، فأصدر أمره بخط يده فكتب: للفحص عن هذه المسألة ... فكتب «الفحص» بلا حاء والمسألة مسلة ...
وجاء دور الاستثمار والحلب، فبلغوا جبور أنه «مهزوز»، أوعزوا إليه بإعداد هدية إلى رئيس أحد الأقلام ليدعمه عند أفندينا، فاشترى خمسين رأسا من الغنم وساقها راع إلى بعبدا ... استغرب الرئيس تلك الهدية الثرثارة وردها غاضبا، فباعها جبور كما أشير عليه، وحمل ثمنها إلى الرئيس فرحب به، واستضحك عند القبض قائلا: هذي هدية لا «تمعق»، وطيب خاطر البك الطازج.
وجاءت نوبة حرم أفندينا فعولت على زيارة جبيل للتفرج على آثارها؛ لم تكن الزيارة لأنتيكة جبيل بل لدار المدير، فقد بلغت مسامع عصمتها أخبار ثروته وطرفه النفيسة، فانصرفت من عنده ومعها خاتمه الألماسي، و«المضاليون» - بلغة جبور - والقرط النادر الذي أعده لعروسه، وشبعت «الخانم» من اللآلئ، فحولت وجهها نحو السجاد العجمي فأخذت الكبرى، وطولها سبعة وعرضها خمسة.
حلم جبور بالثروة مع الجاه، فخاب خيبة مرة، جمعها حبة حبة، فكانت للجمل غبة، ونفد ماله فأبرق إلى شريكه في «الريو»، فأجابه: «الرايش» هابط ... التجارة واقفة ... ثورة.
وأطل السمسار بعد أيام يسأل جبور أن «يغطي»، فضرب يده إلى أزراره ... فضحك السمسار، ثم أفهمه بعد هدأة الضحك ما معنى التغطية في لغة المضاربات، فاعتذر وأراه التلغراف، فانصرف عنه متهددا.
Неизвестная страница