من سطوتك رج الفلك
فازبأر جبور وقال: هذا قول! هذا طق حنك، سكتوهم.
وأطل المدير على الناس وعن يمينه ضابط المركز، ومن عن شماله قارئ «البيلوردي»، فقرأ ما كتب على الظرف بصوت بين بين: لحضرة صاحب الرفعة جبور بك متى مدير ناحية جبيل المحترم.
فامتعض جبور وقال له بنبرة: راجع، قو صوتك.
وأخرج الكاتب البيلوردي من الظرف فاحتدم التصفيق حين لاحت الطغراء الهمايونية، وضج الناس فصاح القارئ: اسمعوا يا بشر. ومد صوته في كلمة «بشر» مدا طرب له جبور واهتز، وقال واحد: اسكتوا. وقال ثان: وحوش. فقام عراك بين وفدين من ذوي الحزازات فأخمدته الضابطية إذ صرخ جبور: كيت وكيت من ... خذوهم إلى الحبس.
وساد الهدوء، فقرأ الكاتب بصوت جهوري كما يشتهي جبور: «رفعتلو بك محترم دام بقاه.»
فتطاول لها واشرأب، وغمزه ليعيدها فأعادها، وجر «محترم» جرة تمنى جبور لو أنها «للبك»، وما تلي التوقيع: «مظفر»، حتى هتفت الضابطية: «بادشاهم جوق ياشا.» فتزعزعت أركان جبور ولا سيما حين رد الجمع: الله ينصره!
وجاء دور الشعراء، فقالوا أبياتا لا بأس بها، فاغتبط جبور وبان الفرح في وجهه الأسمر وقال في قلبه: تقبر الليرات، ساعة مجد تسوي الدنيا وما فيها. ثم انتخى ودعا الناس إلى الأكل، فاستأنفوا الشراب والهزج. •••
وظلت أعصاب جبور متوترة، فما ذاق طعم النوم إلا قبل الصبح بقليل، فرأى حلما راعه، وكان مسك ختامه خوارا مثل خوار الثوار، هرولت ناهيل مذعورة فعثرت بالسجادة وتدحرجت، ثم نهضت وهي تقول: مديرية منحوسة، وبكويه أنحس، ما ذقنا حلاوتها بعد ... وظلت تحبو وتتلمس حتى وقفت عند رأس جبور، فصلبت على وجهه وحوطته باسم الصليب المقدس فعل الأم عند سرير ابنها ساعة الكابوس، وضوأت الغرفة فرأت العرق يتقطر من جلد جبور السمين، وانفتحت عينا البك على ناهيل، فقال لها: لا تخافي يا أختي، حلم بشع، الله يستر.
فصاحت ناهيل: لا تفزع يا بك، الله معنا.
Неизвестная страница