وبهذا ظل الملك شارل ألبرت يكافح وحده عن القضية القومية، ومع أن تخلف البابا وخيانة ملك نابولي قد حرماه من نجدات جنودهما؛ فإن الموقف كان في مصلحته، ولم يبق أمام الذين يرغبون في وحدة إيطالية والذين يريدون أن يشاهدوا قوى الأمة مجتمعة تخوض غمار الحرب إلا أن يختاروا أحد أمرين ممكنين: الإلبرتية أو الجمهورية، وكان الجمهوريون في هذا الميدان أقلية، تنحصر في بعض الجماعات من الطلاب وبعض العقلاء من عمال المدن، وكان أكثرهم وعلى رأسهم مازيني على استعداد ليترك كل دعاية للجمهورية إذا ارتضى شارل ألبرت أن يتبنى بصدق وإخلاص المنهج القومي الدموقراطي، وقد قوى أنصار ملكية شارل ألبرت أن صقلية قدمت تاجها إلى ابن الملك، وأن حزبا قويا في الروماني كان ينتظر إشارته للالتفاف حوله.
ومما يجدر ذكره أن القوى الشعبية كانت هي المسيطرة خارج إيطالية، ففي فرنسة كانت الجمهورية قوية وفي فينا كان الطلاب على وشك أن يطردوا الإمبراطور، وفي هنغارية وبوهيمية حصل الشعب على الاستقلال الوقتي، وفي ألمانية أخذ مجلس الأمة يؤدي مهمته الدستورية.
ومع ذلك فإن الملك لم يكن من العباقرة الذين ينتهزون الفرص للوثوب، وكان يدير الحركات العسكرية متمسكا بما تتطلبه قواعد الحرب المنظمة المرعية، وقد أظهر بسلوكه مع المتطوعين عدم ثقته بالقوى الشعبية واحتقاره إياها، وأرسل جيوبرتي إلى البابا ينشد عطفه من جديد، وكان شبح الديبلوماسية الأوروبية يقلق بال الملك دائما، فرفض مساعدة المتطوعين السويسريين، وقطع العلاقات الودية التي أسسها الميلانيون مع الهنغاريين، وأضعف شأن الحركة الإيطالية باقتصارها على القسم الشمالي من إيطالية.
وفي شمال إيطالية تجلت قلة الثبات وروح الاستمرار، وأعقب الوثبة القومية دور سكون في لمبارديه، وقد تهدمت فيها دعائم الحكم النمسوي خلال أسبوع واحد، وتجمع عزمها ونشاطها لإملاء الفراغ الذي ولده انهيار الحكومة، ولم تبذل كل جهدها في تأليف جيش لمباردي، وقد اتفق الجميع على ترك القضية السياسية إلى ما بعد؛ إذ كانوا يتوقعون أن تنتهي الحرب في مدة قصيرة، وترجح لهم أن تترك القضايا التي تثير خلافا كالمفاضلة بين الملكية والجمهورية والوحدة أو الاتحاد جانبا وقت الحرب حتى إذا نجحت القضية القومية قالت الأمة كلمتها.
أما الملك فكان همه الوحيد أن لا يعطي أية فرصة للجمهوريين، وأن يضم لمبارديه إلى بيمونته؛ فلذلك أصر على ألا تترك القضية إلى ما بعد، وأن يبت فيها حالا بتحكيم رأي الأمة بالتصويت العام بأوسع حدوده.
وكان الجمهوريون أيضا يميلون إلى تأجيل القضية، وحين عاد مازيني في أوائل نيسان إلى إيطالية وعد شارل ألبرت بمعاضدته ما دامت مطامحه تشمل الوحدة، وكان يرتئي أن أول ما يجب الاهتمام به هو طرد النمسويين، ووعد حكومة ميلانو الوقتية بمساعدته الخالصة.
ومع ذلك كله فإنه كان من الصعب أن ترمى القضية الأساسية ظهرا، وقد أخذ وثاق الأخوة بين اللمبارديين والبيمونتيين يتراخى بتأثير الفشل وخيبة الأمل، وقد استولت الشكوك على النفوس من جراء توقف الجيش البيمونتي.
ولما توغل القائد النمسوي «نوجنت» في فنيسيه زاد قلق اللمبارديين على مصير القطر الشقيق، وراحوا يتساءلون هل هناك خيانة مدبرة كتلك التي وقعت في «كمبو فورميو» سابقا، وكان الجيش يزداد غضبا للإهانات التي توجهها الصحف الميلانية له، فضلا عن أن الجرائد في ميلانو وتورينو أخذت تتبادل الكلمات القارسة.
وكانت الحكومة المؤقتة نفسها على وشك أن تفقد
عن ذلك بسبب البطء في تأليف القوة اللمباردية، مما أدى إلى تثبيط عزائم المتطوعين واضمحلال حماستهم، ولا سيما وقد وضعت على رأسهم قوادا مكروهين، وكان في البلد نحو ستين ألفا من الجنود الذين تركوا الجيش النمسوي، فلم تتخذ التدابير لتجنيدهم، فدخل شهر تموز ولم يبلغ عدد المجندين أكثر من عشرة آلاف.
Неизвестная страница