مقدمة
1 - نابليون وإيطالية
2 - جمعية الكاربوناري
3 - الأحوال الاجتماعية في إيطالية
4 - مودينه - بارمه - لوكا - طوسكانه
5 - مملكة نابولي وصقلية
6 - إيطالية بأجمعها
7 - الكاربوناريون الأخيرون
8 - مازيني وإيطالية الفتاة
9 - المعتدلون
Неизвестная страница
10 - بيوس التاسع
11 - القوانين الأساسية
12 - الوثبة القومية
13 - الحرب
14 - معتدلون ودموقراطيون
15 - الدموقراطيون في الحكم
16 - نوفاره
17 - شباط 1848-أيار 1849
18 - الجمهورية المركزية
19 - البندقية في عهد إدارة مانين
Неизвестная страница
20 - بيمونته بعد نوفاره - الارتجاع
21 - كافور
22 - زعامة بيمونته
23 - مؤتمر باريس
24 - الجمعية القومية
25 - بلومبير
26 - حرب سنة 1859
27 - بعد فيلافرنكة
28 - انضمام الوسط
29 - أنصار الوحدة
Неизвестная страница
30 - غاريبالدي في صقلية
31 - إلحاق الجنوب
32 - المملكة الجديدة
33 - إيطاليا وروما
34 - اسبرومونتة
35 - ميثاق إيلول
36 - قائمة التخطئة
37 - فتح فنيسيه
38 - البلاد والمجلس النيابي
39 - لائحة قانون الكنيسة الحرة
Неизвестная страница
40 - مينتانة
41 - نحو روما
مقدمة
1 - نابليون وإيطالية
2 - جمعية الكاربوناري
3 - الأحوال الاجتماعية في إيطالية
4 - مودينه - بارمه - لوكا - طوسكانه
5 - مملكة نابولي وصقلية
6 - إيطالية بأجمعها
7 - الكاربوناريون الأخيرون
Неизвестная страница
8 - مازيني وإيطالية الفتاة
9 - المعتدلون
10 - بيوس التاسع
11 - القوانين الأساسية
12 - الوثبة القومية
13 - الحرب
14 - معتدلون ودموقراطيون
15 - الدموقراطيون في الحكم
16 - نوفاره
17 - شباط 1848-أيار 1849
Неизвестная страница
18 - الجمهورية المركزية
19 - البندقية في عهد إدارة مانين
20 - بيمونته بعد نوفاره - الارتجاع
21 - كافور
22 - زعامة بيمونته
23 - مؤتمر باريس
24 - الجمعية القومية
25 - بلومبير
26 - حرب سنة 1859
27 - بعد فيلافرنكة
Неизвестная страница
28 - انضمام الوسط
29 - أنصار الوحدة
30 - غاريبالدي في صقلية
31 - إلحاق الجنوب
32 - المملكة الجديدة
33 - إيطاليا وروما
34 - اسبرومونتة
35 - ميثاق إيلول
36 - قائمة التخطئة
37 - فتح فنيسيه
Неизвестная страница
38 - البلاد والمجلس النيابي
39 - لائحة قانون الكنيسة الحرة
40 - مينتانة
41 - نحو روما
الوحدة الإيطالية
الوحدة الإيطالية
تأليف
بولتن كنج
ترجمة
طه الهاشمي
Неизвестная страница
مقدمة
أصدر الكاتب الإنجليزي «بولتن كنج» كتابه تاريخ الوحدة الإيطالية سنة 1899 وترجم إلى الفرنسية سنة 1901 في مجلدين ضخمين يبلغ عدد صفحاتهما زهاء تسعمائة صفحة، وقد كتب بولتن كتابه هذا بعد ما راجع نحو تسعمائة كتاب يبحث في تاريخ إيطالية الحديث فيما بين سنة 1814 وسنة 1871، وقضى عشر سنوات في تأليفه، ويظهر من ذلك أنه شرع في تأليف كتابه بعد انقضاء خمس عشرة سنة على آخر حادثة دونها، وقد لا يكون انقضاء هذا المدة كافيا لأن يستطيع الباحث المدقق استنباط النتائج، غير أن المصادر الإيطالية والفرنسية والإنجليزية التي أدرجت أسماؤها في نهاية كتابه، من شأنها بفضل مواضيعها وشخصية مؤلفها أن تزود المؤرخ الباحث بكل ما يحتاج إليه من مادة تجعله قادرا على تمييز الغث من السمين والخبيث من الطيب؛ لا سيما وأن كثيرا من الكتب الإيطالية التي رجع المؤلف إليها قد دونها رجال إيطاليون اشتركوا فعلا في بناء الوحدة الإيطالية.
لقد بذل المؤلف جهده ليكون حياديا في بحثه، والواقع أنه عسير على الذي يقدم على كتابة تاريخ بلاده المعاصر؛ أن يكون حياديا في بحثه فلا بد من خضوعه لبعض المؤثرات العاطفية، أما المؤرخ الأجنبي فيستطيع أن يتجرد عن العاطفة وأن يستقصي الحوادث في غير هوى، لعل المؤرخين الإنجليز في نهاية القرن التاسع عشر كانوا أحسن من يكتب تاريخ الوحدة الإيطالية مجردين عن العاطفة، بعيدين عن الأهواء، فيبدو أن بولتن كنج قد سبق الجميع في هذا المضمار.
لقد عثر أحد أصدقائي على النسخة الإفرنسية لهذا الكتاب منذ أكثر من 25 سنة بعث بها لي فقرأتها وأعجبت بها أي إعجاب، وعزمت على ترجمتها في أول فرصة تسنح؛ لاعتقادي أن أشد ما يحتاج إليه شبان العرب هو الاطلاع على تاريخ النهضات القومية في القرن التاسع عشر، لا سيما حركة الوحدة الإيطالية.
إن أوجب واجبات الشباب العربي أن يعرفوا كيف نهضت الأمم المستعبدة وظفرت باستقلالها وأقامت وحدتها؛ ففي ذلك عبرة لهم وحافز.
ولم يتسن لي ترجمة هذا الكتاب إلا في المدة الأخيرة حينما كنت بعيدا عن الوطن، ولم أشأ ترجمته حرفيا؛ لأن ذلك يتطلب وقتا طويلا فضلا عن أن صعوبة الطبع في هذه الظروف تحول دون إصدار الترجمة في مجلدين ضخمين. وعليه فإنني آثرت ترجمته ملخصا على أن لا يخل الإيجاز بأساس الموضوع وتسلسل الوقائع، فهذه الترجمة إذن نسخة مصغرة، تحتوي كل ما ورد في الكتاب من أبحاث ومعلومات.
من الأقوال المأثورة أن التاريخ يعيد نفسه، بيد أن الاستقصاء الحديث دل على أن التاريخ لا يمكن أن يعيد نفسه ما لم تتوفر شروط جغرافية واجتماعية ونفسية. فيجدر بنا الآن أن نتساءل: هل في البلاد العربية اليوم تتوفر تلك الشروط التي ساعدت بلاد إيطالية على تأسيس وحدتها في مدى نصف قرن؟ وبتعبير آخر: هل تشبه البلاد العربية في جميع أوضاعها الراهنة أوضاع إيطالية بعد حرب نابليون؟ أو قبل ثورة 1848؟
قد يسهل على الذين يزعمون أن التاريخ يعيد نفسه أن يجدوا شبها كبيرا بين حالة البلاد الإيطالية بعد حرب نابليون وبين حالة البلاد العربية بعد الحرب الماضية فيقارنوا بين هاتين الحالتين، ويقولوا مثلا إن نابليون شجع الإيطاليين على تأسيس وحدتهم، وأسس المملكة الإيطالية فعلا واشترك الطليان في حروبه، وإن الحلفاء لوحوا وقتئذ للطليان باستقلالهم فلما انتصروا على نابليون ضربوا بوعدهم عرض الحائط، وأرجعوا إيطالية إلى ما كانت عليه قبل الثورة الإفرنسية فأصبحت مجزأة، فيها ثماني دول مستقلة وشبه مستقلة.
كذلك الأمر في البلاد العربية؛ إذ كانت قبل الحرب العامة خاضعة لدولة واحدة، وكان أهلها يتشوقون إلى الحكم الذاتي، فلما نشبت الحرب المذكورة أخذ بعض الأقطار يطالب بالاستقلال لقاء مساعدتها إياهم، فلما انتصروا على أعدائهم ضربوا بوعودهم عرض الحائط وأقاموا في البلاد العربية التي انسلخت من المملكة العثمانية دولا عديدة شبه مستقلة ومستعبدة.
وإذا أراد أولئك الزاعمون الإسهاب في المقارنة فإنهم يقولون: إن الناس في بلاد إيطالية كانوا يتكلمون لغة واحدة ويدينون بدين واحد وكان أجدادهم - فيما مضى - يحكمون العالم وينشرون الحضارة من عاصمتهم روما، فلأحفادهم أن يعتزوا بمفاخر وأمجاد جديرة لأن تجعلهم في مصاف الأمم الراقية.
Неизвестная страница
وكذلك شأن سكان البلاد العربية فهم يتكلمون لغة واحدة ويدينون بدين واحد، وقد حكم أجدادهم العالم ونشروا ألوية الحضارة من عواصمهم بغداد، دمشق، القاهرة، والقيروان، وسجل التاريخ لهم من المفاخر والأمجاد ما جعلهم جديرين بأن يتحدوا وأن يقيموا لهم دولة تخدم الحضارة وتساهم في العمل على استقرار السلم العالمي.
فإذا أردنا إذن أن نجاري من يقول: إن التاريخ يعيد نفسه؛ فإننا نستطيع أن نفسح مجال المقارنة بين إيطالية بعد حروب نابليون والبلاد العربية بعد الحرب العالمية الأولى، وأن نستند إلى هذه المقارنات فنجزم بأنه لا بد للوحدة العربية من أن تتم كما تمت الوحدة الإيطالية شاء الناس أم أبوا ذلك.
ولكننا نرى أن قضية العرب في تأسيس وحدتهم لا تحتاج إلى كل هذه المقارنات؛ فنحن لا نريد أن نجاري القائلين بأن التاريخ يعيد نفسه فنقضي الوقت بالتفتيش على أوجه الشبه بين البلاد الإيطالية والبلاد العربية، وإنما نود أن نقول إن العرب يستندون في الدفاع عن قضيتهم إلى حقائق ملموسة ودلائل قوية:
أولا:
كان العرب في العهد العثماني يتمتعون بكل الحقوق التي كان يتمتع بها الأتراك، ولم يشعروا قط بأنهم أمة محكومة، وكان يتسنى للعربي أن يكون واليا أو قائدا أو حاكما، فلم ير العربي حينذاك حاجة للمطالبة بالانفصال أو بالاستقلال.
ولما أخذ غلاة الأتراك بعد إعلان الدستور يستأثرون بالحكم ويدعون بأن الأمة التركية هي الأمة الحاكمة وأن الأمم الأخرى هي المحكومة؛ كان لزاما أن يكون لهذه الدعوة رد فعل في نفوس العرب فراح عقلاؤهم يفكرون في مصير بني قومهم ويطالبون بالإصلاح تارة وباللامركزية تارة أخرى، ثم استهدفت الجمعيات العربية السرية بعد حرب البلقان الحكم الذاتي غاية لمساعيها.
والذي لا شك فيه أن العرب كانوا في العهد العثماني أحرارا في بلادهم، وظلوا يشاركون الأتراك الحكم والسيادة، لا كما يزعم رجال الاستعمار بأن العرب ظلوا مستبعدين مدة طويلة، ثم يتخذون هذا الزعم ذريعة لهم يسوغون بها احتلال البلاد العربية لاستعمارها!
ثانيا:
حين أدرك العرب أن الحلفاء قد نكثوا في عهدهم، وحرموهم نعمة الاستقلال وجزءوا بلادهم، حتى بلغ أمر هذه التجزئة في دور من أدوار الانتداب البغيض أن تأسست ثماني دول في سورية وحدها؛ ثاروا في كل قطر ولم يعترفوا بالانتداب قط.
وكانت أولى الثورات التي نشبت في البلاد العربية الثورة المصرية سنة 1919، وقد طالب قادتها بالاستقلال، ثم تلتها الثورة العراقية التي نشبت سنة 1920 ودعا رجالها إلى إنهاء الحكم العسكري وإقامة الحكم الوطني.
Неизвестная страница
وقد نجحت تلك الثورة واضطر الإنجليز إلى الاعتراف بحقوق العراق، وإقامة الحكومة المؤقتة، ثم تلتها الحكومة الوطنية في عهد الملك فيصل، وظل رجال العراق يطالبون باستقلال بلادهم رافضين الانتداب إلى أن تم استقلال البلاد سنة 1932، وظلت مصر تناضل في سبيل استقلالها ثم اعترف لها في معاهدة سنة 1936 باستقلالها.
وتعاقبت في سورية الثورات، وكانت الثورة الكبرى سنة 1925، حتى اعترف باستقلالها سنة 1942، أما الثورات العديدة التي نشبت في فلسطين واستمرت مدة طويلة فأمرها معلوم.
ولقد كبدت هذه الثورات العرب خسائر في الأنفس، ويقدر عدد ضحاياهم فيها بالألوف، ودلت هذه الثورات على ما كان كامنا في نفوس العرب من حيوية زاخرة؛ لم يسبق في تاريخ الأمم أن ناضلت أمة عزلاء دولا قوية الشكيمة في سبيل الحصول على استقلالها وثارت مرات عديدة في مدة لا تتجاوز ربع القرن، وقد كذبت هذه الثورات زعم القائلين إن العرب قد قبلوا ما اختارته لهم الحكومات الأجنبية راضين طائعين، ودلت على أنهم لم يرضوا قط بما فرض عليهم فرضا وأنهم ظلوا يناضلون عن حقوقهم حتى نالوا استقلالهم.
وعندنا أن هذين الأمرين وحدهما كفيلان بأن يحققا للعرب وحدتهم، وهنالك عوامل أخرى تساعد العرب على إقامة وحدتهم؛ فالبلاد بوضعها الجغرافي؛ أي بسهولها وأنهارها ووديانها تؤلف وحدة جغرافية، وإذا كانت البادية تفرق بين بعض أقطارها فإن السيارة والطيارة قد قربتا هذه الأقطار أكثر مما كانت تقرب المركبة أو السكة الحديدية بين الأقطار الإيطالية في القرن الماضي، وتلفت أنظار أهلها جميعا إلى ماض مجيد، وتتطلع نحو مستقبل زاهر، وتجمعهم وحدة اللغة والدين، وتوثق عراهم عادات مشتركة وتقاليد موروثة وذكريات سارة وأخرى محزنة.
وقد وثق الاتصال بين أقطارها وأخذ بعضها يستقدم موظفين من البعض الآخر، وأصبح العراقي يدرس في معاهد مصر الثقافية، والأردني واليماني بتدرب في معاهد العراق العسكرية والسوري يمتهن الطبابة والهندسة والتدريس في الأقطار العربية، وكذلك شأن الفلسطيني واللبناني، أما المصري فيدرس في كل الأقطار.
لقد ابتدعت معاهدات السلم التي عقدت بعد الحرب العالمية الأولى بخلقها الدويلات الصغيرة بدعة سيئة؛ إذ دلت الوقائع على أن هذه الدويلات كانت عاملا من عوامل الضعف والارتباك في السياسة الدولية العامة، وقد ولدت تنافرا وتشاحنا، فضلا عن كونها شجعت الدول الكبيرة الاستعمارية على الاستئثار بها والاستيلاء عليها.
وقد أظهرت الحرب العالمية الأخيرة بطلان سياسة خلق دول صغيرة حتى رأينا رجال الحكومات في هذه الدول يدعون إلى تأسيس اتحادات أو وحدات فيما بينهم؛ لتستطيع أن تعيش بسلام، وأن تكون دعامة من دعائم السلم، والغريب أن بعض أولئك بين أمم لا تتكلم لغة واحدة ولا تدين بدين واحد فضلا عن أن تقاليد بعضها يخالف تقاليد البعض الآخر، وليس من شك في أن نظام العالم المقبل سوف يرتكز على اتحادات تجمع بين الأمم الصغيرة أو وحدات تمتع كل دولة فيها باستقلالها الداخلي.
وأية أمة أجدر من العرب بتأسيس هذه الوحدة أو الاتحاد بين دولها، وعلى العرب أن يعلموا أنه لا يتسنى لهم أن يحتفظوا بكيانهم إلا إذا هم أقاموا وحدتهم وأنقذوا أنفسهم من قيد الحكومات الإقليمية الضعيفة ودخلوا نطاق دولة عربية، ومعنى ذلك وحدة عزهم ومنعتهم.
حقا لا سبيل لأن يعيشوا أقوياء أعزاء سعداء إلا في نطاق الوحدة الشاملة، ولا يمكن أن تكون بلادهم عاملا من عوامل الاستقرار في السياسة الدولية العامة إلا بتأسيس الدولة العربية الكبرى، فعليهم أن يوقنوا بأن في التجزئة ذلهم وشقاءهم، وأن في الوحدة عزهم وبقاءهم.
وأريد الآن أن أذكر السبب الذي ساقني إلى ترجمة هذا الكتاب، لا شك في أن الأمة العربية قد ضحت بكثير من مالها وأرواحها في سبيل الحصول على استقلالها، وقد يظن بعض قادة أمورها أن الاستقلال والوحدة لا يحتاجان إلى كل هذه الثورات والتضحيات، وإنما الهدوء والاستقرار والمداورات السياسية؛ هي وحدها كفيلة بإيصال الأمة إلى استقلالها ووحدتها. وقد يتأثر كثير من ضعاف النفوس بهذا الظن فيحولون دون اندفاع الأمة في جهادها ويخففون من غلوائها في مساعيها، وبذلك يعرقلون سير القضية - خاطئين أو متعمدين.
Неизвестная страница
فهؤلاء القادة يجدون في طيات هذا الكتاب كثيرا من الأدلة التي تكذب ظنهم وتبرهن على أنهم خاطئون، كما يجد الشبان فيه ما يؤكد إيمانهم بأن استقلالهم يؤخذ ولا يعطى وهو إنما يؤخذ بالتضحية، وأن الوحدة لا تتم إلا بالقوة والإيمان.
ثم إن القارئ يرى في هذا الكتاب كثيرا من العبر، ويطلع على وقائع ما أعظم أوجه الشبه بينها وبين الوقائع التي حدثت في تاريخ القضية العربية، حتى ليكاد يخيل له أنه يقرأ سيرة بعض رجال العرب؛ من زعيم ظل يجاهد رغم كل العقبات التي قامت في وجهه، وآخر سياسي حاد عن مبدئه وأخذ يموه على الناس، ودجال منافق خان القضية وصار يعمل لحساب المستعمر، وأشباه ونظائر لشيوخ وكهول وشباب مؤمنين عاهدوا الله على العمل في إخلاص ولم يبدلوا
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .
وفي الكتاب عبر جديرة بأن يعتبر بها قادة الرأي العربي العام، ومن أبرز ما يستنتج منها: أن الوحدة لا تتم إلا بالقوة، وقد شنت دولة بيمونته ثلاث حروب في سبيل الوحدة وحارب فيها المتطوعون من جميع الأقطار الإيطالية في صفوف الجند البيمونتين، وقد شنت بيمونته وحدها إحدى هذه الحروب كما ساعدتها حليفتها فرنسة في الأخرى، كما أن اشتراكها في حرب القريم - حيث لا ناقة لها فيها ولا جمل - إنما كان في سبيل الوحدة أيضا.
وفي التاريخ أمثلة كثيرة تدل على أن الوحدة القومية والسياسية لا تؤسس إلا بقوة السلاح، حتى إن الولايات المتحدة الأميركية نفسها لم تنقذ وحدتها من الانهيار إلا بحد السيف، وقد شنت في سبيلها حربا شعواء استمرت خمس سنوات، وضحت من أجلها بنفوس كثيرة، وقد نوه المؤرخون الأمريكيون بهذه الظاهرة التي ربما عدها الكثيرون خروجا على المبدأ الديموقراطي، زاعمين أن من حق الحكومات الجنوبية أن تقرر الانفصال إذا شاءت، إلا أن الرئيس إبراهام لنكولن لم يعترف بمثل هذا الحق، بل رأى أن الوحدة فوق جميع الحقوق فحارب الجنوبيين بكل ما أوتي من قوة، وقد أحسن فيما فعل.
وقد يستغرب القراء تلويحي بمبدأ القوة في عهد شنت فيه جميع الدول الديموقراطية حربا عنيفة على مبدأ القوة وضحت في سبيل هدمه بكثير من أبنائها، ولكن استغرابهم يزول إذا قلت إن هذه القوة التي أشرت إليها هي عين القوة التي استخدمتها الدول الديموقراطية في سبيل نشر السلام العالمي، فترك أمة مجزئة ضعيفة عرضة لأطماع الطامعين بها من الدول المجاورة أو الدول الاستعمارية التي تحتل قواعدها وتتصرف بشئونها متذرعة بحجج واهية لهو أمر لا شك في مخالفته ومناقضته لمبدأ السلام العالمي، والأمة التي انقسمت أقطارها إلى حكومات وخضعت سياستها الخارجية إلى سياسة حكومات أجنبية مناوئة لا يمكن أن تستقر وستظل خطرا يهدد السلم.
وثمة نقطة أخرى جديرة بأن تلفت نظر قادة الرأي العربي، وتلك هي أن الأجنبي الذي يتظاهر بنصرته للوحدة ويساعد بجيوشه على إنجازها إنما يعمل لمصلحته ولقاء فائدة قد تكون أشد ضررا من التجزئة، وإذا ما ساعد بحلفه على أن تخطو الأمة خطوة في سبيل الوحدة قد تعرقل مساعدته سير القضية وترجعها إلى الوراء خطوات؛ فلذلك يجب على الأمة أن تعتمد على نفسها فقط وأن تتجنب الحليف الأجنبي جهد طاقتها.
والقارئ مدرك - لا محالة - بأن أهم العوامل التي ساعدت على إنجاز وحدتها، هو وجود دولة بيمونيه المستقلة الإيطالية لحما ودما، ورعاية الأسرة المالكة فيها لقضية الوحدة، واقتناع رجال حكومتها بأن واجبهم يقضي عليهم بمساعدة الأقطار الإيطالية الأخرى بالسلاح والمال غير مبالين بما تجر هذه المساعي على بلدهم من أخطار وأضرار، واعتقاد الزعماء الإيطاليين في جميع الأقطار المستعبدة منها والمستقلة وشبه المستقلة؛ بأن على دولة بيمونيه أن تتزعم قضية الاستقلال والوحدة.
وفي تاريخ الوحدة الإيطالية بعض مواقف تدل على أن رجال الحكم في بيمونيه قد تنصلوا أحيانا من تحمل أعباء الزعامة، ولم يظهروا الجرأة الكافية، فأضر عملهم هذا سير القضية الإيطالية كثيرا، وكبد الطليان خسائر فادحة في الأرواح والأموال.
ومما يلفت النظر زعم خصوم الوحدة الإيطالية استحالة اتحاد أهل نابولي بأهل طوسكانه واجتماع ابن صقلية بابن بيمونيه في صعيد واحد؛ لما بينهم من اختلاف في الميول والنزعات وتباين في المشارب والعادات.
Неизвестная страница
ثم دلت الحوادث في إيطالية على بطلان هذه المزاعم التي كثيرا ما يتوكأ على أمثالها خصوم الوحدة العربية؛ إذ لم تلبث إيطالية أن كونت دولة عظيمة رغم أنف المعاندين المكابرين، وطالما سمع أبناء الأقطار العربية مثل هذه المزاعم من رجال الاستعمار وأذنابهم، ولكن من حسن حظ القضية العربية أنهم لم يلتفتوا إليها.
سيرى شباب العرب - عند قراءتهم هذا الكتاب - كثيرا من مثل التضحية
إيطالية في أثناء كفاحهم في سبيل الاستقلال وإنجاز الوحدة، تلك المثل العالية التي لم تذهب سدى، والتي لولاها لما تمت الوحدة، وفي هذا كله حافز لشبابنا على مواصلة العمل الذي سبقهم فيه الآباء والأجداد، ويجعلهم يقدرون تلك التضحية، ويودون لو يقدموا على مثلها.
حقا لقد ضحت الأمة العربية بالكثير في سبيل استقلالها وستضحي بالكثير في سبيل وحدتها، وقد ظلت الأمة الإيطالية تجاهد نصف قرن حتى تمت وحدتها، أما الأمة العربية فقد مر على كفاحها في سبيل الاستقلال أكثر من ربع قرن، وقد نالت أجر بعض هذا الكفاح وهي ستنال أجر كفاحها القادم لا محال، فليعلم شبابها وكهولها أن التضحية وحدها هي التي توصل الأمة إلى إكمال استقلالها وإنجاز وحدتها.
طه الهاشمي
حاشية
كتبت هذه المقدمة قبل ست سنوات، وقد وقعت بعد ذلك حوادث جسام في دنيا العرب، فأخذت الجامعة العربية على عاتقها قضية الدفاع عن فلسطين، وبذلت جهودها في توحيد مساعي الدول العربية في نجدة فلسطين.
وكان من نتيجة هذا الجهد أن ساقت الدول العربية جيوشها إلى فلسطين وحاربت القوات الصهيونية وحدث ما حدث وأمره معلوم، وحلت النكبة ووقعت الكارثة في فلسطين رغم كل المساعي، وأخذ المفكرون العرب يبحثون عن أسباب هذه النكبة؛ ففريق يرى أن الدول العربية استضعفت شأن العدو، وآخر يرى أنها لم تستعد له الاستعداد الكافي، ومن يرى أن سبب الكارثة عدم تضامن الدول العربية وتخاذلها.
والذي لا ريب فيه أن التجزئة القائمة في دنيا العرب هي السبب المباشر لحدوث النكبة؛ لأن العدو استغل التجزئة والمستعمر استأثر بها وذوي النفوس الضعيفة احتموا بها، ولو كانت الوحدة جمعت بعض الأقطار العربية ولو كان الاتحاد قائما فعلا بين الدول العربية؛ لما انتهت قضية فلسطين على هذه الصورة المحزنة.
لهذا لا سبيل إلى أن يزيل العرب عنهم وصمة هذا العار ويقضوا على الدولة اليهودية؛ إلا إذا اتحدت أقطارهم وألفوا منها الدولة العربية الكبرى، على غرار ما تم في إيطالية.
Неизвестная страница
الفصل الأول
نابليون وإيطالية
1814-1815
لقد كان الشعور بكيان قومي في إيطالية في أوائل القرن التاسع عشر ضعيفا، فمن الواضح أن الطليان ظلوا يحنون إلى الأيام التي كانت فيها روما تملي إرادتها على العالم، ولما زالت السيطرة الإسبانية عن إيطالية في القرن الثامن عشر، وتوقفت النمسة في الشمال، وأخذت بيمونته تخطو خطاها في بطء؛ فقد ظل الطليان قانعين باتحاد وهمي لدول لا شأن لها يقوم مقام الأمة، ولقد كان النصف الآخر للقرن المذكور دور سكون وإصلاح أورث إيطالية رفاهة وتقدما في الإصلاح الاجتماعي وازدهارا في الفنون وإبداعا في الشعر والغناء، إلا أنها كانت فاقدة استقلالها ومحرومة حريتها.
ثم نشبت الثورة الإفرنسية ودفعت الإفرنسيين للتوغل في إيطالية؛ فانهارت بذلك الإمارات الإيطالية، وأقام نابليون جمهوريات وممالك سرعان ما قضت قضاء مبرما على السياسة الاجتماعية القديمة، ولعل إيطالية هي البلاد الوحيدة التي تعمد نابليون أن يشجع فيها الشعور القومي؛ إذ لاح له أن وحدة التقاليد واللغة والآداب كفيلة بأن تجعل من إيطالية أمة واحدة، ومما حفزه على تأييد هذه الفكرة شعوره بأنه يمت إلى أصل إيطالي من جهة، وأخذه بالسياسة التقليدية التي سارت عليها فرنسة في إقامة موانع في وجه النمسة من جهة أخرى. حقا إن نابليون هو مؤسس إيطالية الحديثة.
ومما لا شك فيه أن إيطالية استفادت كثيرا من الاحتلال الفرنسي؛ لأنه قضى على الإقطاعية السائدة فيها حينذاك، وجهزها بقوانين موحدة ومراقبة نافعة، وفتح في وجه أبنائها أبواب الكفاية، وأمد الصناعات بفيض من النشاط، وساعد إلغاء الأديرة على التخلص من الديون، فانتشرت المدارس في لمبارديه ونابولي، وحمل الجنود الطليان - الذين رافقوا نابليون في أسفاره وغزواته حين عودتهم إلى بلادهم - ذكريات البطولة، وبثوا في الأمة روحا جديدة.
ولقد أتى أسلوب نابليون في سياسة البلاد بنتائج باهرة جدا؛ إذ أزال سلطان الأمراء بالكلية، وقضى - بذلك - على الدويلات العشر في شبه الجزيرة، فألحقت بفرنسة بيمونته الشرقية ودوقيات جنوه وبارمه وطوسكانه ودويلات الكنيسة حتى جبال الإبنين،
من دوقيات لمبارديه وفنيسيه ومودينة والروماني والمارك، فأصبح أوجين بوهارنه نسيب الإمبراطور وصيا عليها، أما نابولي فأصبحت مملكة يحكمها المارشال مورات،
1
فأسست هذه الدول روابط متبادلة وتشابهت إدارتها إلى حد ما.
Неизвестная страница
ثم سقط نابليون فانهار بسقوطه كل ما قام به في إيطالية من أعمال، على أنه رغم ما أسدى إلى إيطالية من خدمات جليلة فإنه - في كثير من أعماله - قد مس كرامة الطليان القومية وأثار حنقهم، فقد مات منهم ستون ألفا ونيف في إسبانية وفي روسية؛ في سبيل قضية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فكانت الضرائب فادحة، ودلت أعمال الشرطة والرقابة السياسية في ذلك العهد على أن الحرية والإمبراطور على طرفي نقيض، أضف إلى ذلك أن المدن كانت حانقة بسبب ما نهب من متاحفها من آثار، أما الإهانة التي ألحقها بالبابا فكانت بمثابة تحرش بالدين واستهانة بوطنية الدهماء، ومع ذلك كله فالشعور بالوطنية الذي بثه نابليون ظل راسخا في النفوس، وراح الطليان يعتزون بمفاخر مملكة إيطالية ويتحدثون عن أمجادها، فطالما سعى الحلفاء لتأليب البلاد على نابليون ملوحين لها بالاستقلال، وحين أخذ نجمه يأفل أبى أوجين بوهارته أن يلبي نداء قائده، أما المارشال مورات فإنه أخذ يسعى للاحتفاظ لنفسه بمملكة نابولي.
أما في ميلانو عاصمة المملكة فقد انشقت الآراء إلى شيع: ففريق يميل إلى النمسة ويدعى بالحزب الإيطالي، وهو يرى في فرنسة خطرا على السلم ويسعى في سبيل عودة الحكم النمسوي ذاكرا الحكم الذاتي الصالح في عهد ماريا تريزا ويوسف الثاني، وكان ساسة فينا يغدقون على الطليان الوعود الخلابة في الحرية والاستقلال.
أما أشراف ميلانو فقد كان أكثرهم ضد النمسة، وضد نائب الملك أوجين، وقد ألفوا الحزب الإيطالي الحر، وكانت غايته ضمان استقلال مملكة إيطالية دون الاكتراث بجنسية الأمير سواء أكان نمسويا أم إنجليزيا أم إيطاليا، بيد أن بعض الأشراف كانوا يميلون إلى وحدة إيطالية بزعامة أسرة آل صافويه الإيطالية، واتفقت الأكثرية على الاحتفاظ بميلانو عاصمة للمملكة، وبذلك كله يستعيد الأشراف ما فقدوه من امتيازات في عهد نابليون، ولم يلق أحد من هؤلاء بالا إلى فكرة الالتفاف حول الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يحقق استقلال إيطالية ألا وهو أوجين بوهارنه نائب الملك.
ولما رأى هذا الرجل أن الأشراف تخلوا عنه لم يجرؤ على دعوة المجلس التمثيلي ليستشير بواسطته الشعب؛ خشية أن يتهمه نابليون بالخيانة، فلم يسعه حينئذ إلا أن يتخذ نصف التدبير فطلب إلى مجلس الأعيان أن يمارس صلاحياته، وطالب الحلفاء في الوقت ذاته بالتاج نفسه.
ولم يكن لدى مجلس الأعيان الإرادة الكافية ليتحمل عبء تلك المهمة، فاستفادت الأحزاب المعارضة في الداخل والخارج من عجز مجلس الأعيان، واتفقت فيما بينها على إسقاط نائب الملك ومجلس الأعيان معا، وما كاد يشيع خبر تخلي نابليون عن الملك حتى لجأ الحزب الإيطالي إلى السلاح، وطلب إلى مجلس الأعيان دعوة المجالس التمثيلية، وهب الشعب يظاهر هذه الحركة ويضغط على مجلس الأعيان ليحمله على الإذعان، فما كان منه إلا أن قدم وزير المالية ضحية لتردده وإهماله، وكان في استطاعة قائد الحامية أن ينقذ الموقف بإرسال الجند لإنقاذ حياة وزير المال، وكان في وسع جيش أوجين أن يقبض على ناصية الحال لو لم يخش من نشوب الحرب الأهلية.
فكان من أمر ذلك أن انسحب مجلس الأعيان من الميدان، فتولى المجلس البلدي مجلس الوصاية لمدة مؤقتة، وأصبح هم هذا المجلس السعي لفصل لمبارديه من إيطالية وإدخالها في الحكم النمسوي، فدعيت المجالس التمثيلية في لمبارديه فقط؛ حيث يتكلم الناس اللهجة اللمباردية، وأوفد مجلس الوصاية مندوبا عنه إلى باريس؛ لمطالبة الحلفاء بالاستقلال والدستور، ولكنه وجد أن مصير لمبارديه قد بت فيه قبل وصوله؛ ذلك لأن أوجين استسلم بلا مقاومة إلى القائد النمسوي الجنرال بلجارد وتخلى عن الملك؛ فدخل هذا القائد ميلانو عاصمة لمبارديه وأعلن انضمامها إلى النمسة.
ومع أن الجيش كان قادرا على مؤازرة أوجين إلا أن خيانة القادة وخور عزيمتهم مكنتا بلجارد من اكتساب الوقت اللازم لإنزال الضربة القاضية، وبعد أن قبض على القادة ألقاهم في السجن.
ومع كل هذا فإن الوطنيين لم ييأسوا ما دام نابليون في جزيرة ألبة، وظلوا يعلقون آمالا على عودته للحكم، وسعيه لإعادة استقلال إيطالية، وأخذوا يتصلون به سرا ويعدون العدة لمساعدته عند الحاجة، وكان ثم قائد آخر من قادة نابليون يسعى لطلب ود الطليان، ألا وهو المارشال مورات أحد مارشالية نابليون الذين أنجبتهم الحرب الناشبة بعد الثورة الإفرنسية وقد نصبه نابليون ملكا على نابولي، كما نصب أوجين بوهارنه نائبا للملك في إيطالية.
ولما رأى نابليون أن مورات يدبر الدسائس ليستقل بمملكته فكر في أن ينبذه وأن يتفق مع آل بوربون ملوك نابولي القدماء إذا رضوا بأن يسيروا تحت رايته، وكان مورات يعلم أنه إذا ما قضى على نابليون فلن يوافق الحلفاء على بقائه؛ فلذلك رأى أن أحسن خطة يسلكها هي أن يجعل نفسه بطلا إيطاليا؛ ليظفر برضاء الإيطاليين، فراح يدبر الدسائس مع الحلفاء فعقد معاهدة سرية مع النمسة، وعدته فيها بأن تعطيه نابولي وجزءا من دويلات الكنيسة على أن يعترف بحقوق النمسة في لمباردية.
وبينما كانت النمسة تسعى سرا لقلبه كان مورات قد اتصل بأوجين وحثه على رسم خطة مشتركة للدفاع ضد الحلفاء، بيد أن أوجين لم يوافق على خيانة البابا في روما، ولما سقط نابليون واحتل النمسويون لمبارديه أصبح مورات في موقف حرج، ورغم أن الإنجليز كانوا يريدون التمسك بنصوص المعاهدة لضمان حقوق مورات فإن النمسة أرادت إعادة حقوق الملوك والأمراء المنفيين، فاستفاد مورات من اختلاف الرأي، وتقرب من الأحرار الطليان، ووافق على عدة قوانين إصلاحية كان قد أجلها سابقا، واتصل بنابليون، ولما فر هذا من جزيرة ألبه رأى مورات أن الفرصة قد حانت فأعلن الحرب على النمسة، وتقدم بجيشه نحو الشمال، وأعلن استقلال إيطالية، وضم حوله الطليان، وقد سارع فاحتل إيالتي الروماني والمارك، وبعد أن انتصر على النمسويين في «ستيزينه» تقدم في إيالتي «بولونيه ومودينه»، مع أنه لو توجه نحو ميلانو لكان من وسعه أن يحطم قوات النمسويين، لو لم يصغ لنصائح الإنجليز الذين خانوه، فأخذ بعد ذلك يخسر المعارك، وحاول عبثا استفزاز حمية النابوليين والصقليين ليلتفوا حوله، ولما رأى أنه قد فقد كل رجاء سلم سيفه للإنجليز وأضاع الطليان بذلك أملهم الأخير في الاستقلال.
Неизвестная страница
وعلى إثر انتصار الحلفاء على نابليون في معركة «وترلو» فإنهم حنثوا بوعودهم؛ إذ بت مؤتمر فينا في مصير إيطالية من دون أن يكترث للعهود التي قطعها قادة الحلفاء للطليان أثناء الحركات ضد نابليون، وكشف رجال السياسة القناع عن وجوههم، حتى إن المندوب البريطاني في مؤتمر فينا قال للوفد اللمباردي إن تجربة الحكومات الدستورية قد فشلت، ولم تكن إيطالية في نظر المفاوضين في مؤتمر فينا سوى أداة للتوازن السياسي، فأمست غنيمة توزع على الملوك والأمراء.
والأغرب من كل ذلك أن الحلفاء لم يكونوا متحدي الرأي في موضوع تجزئة إيطالية وكيفيتها؛ فإنجلترة وروسية لم ترضيا بأن تصبح إيطالية إقطاعا للنمسة، وكانتا تميلان إلى إقصاء النمسة عن إيطالية إقصاء تاما، ولما كانت روسيا تطمح في الحصول على ممتلكات أخرى في بولندة فإنها غضت النظر أخيرا عن مطالب النمسة في إيطالية.
أسفرت نتائج مؤتمر فينا عن تملك النمسة «لمبارديه وفنيسيه وفالينتنه» واحتفظ البابا بممتلكاته في إيطالية المركزية، أما بيمونته فإنها طالبت بإلحاق لمبارديه بها، إلا أنها لم توفق ولكنها جزاء لخدماتها قد صححت حدودها، وألحق بها قسم من إيالة صافويه التي كان الفرنسيون قد ضموها إلى فرنسة عقيب الثورة، وضمت جنوه أيضا، وهكذا خرجت هذه الدولة أقوى مما كانت عليه قبل حروب نابليون، أما في الأنحاء الأخرى فقد عاد الأمراء إلى ممتلكاتهم، إلا أن النمسة أدخلت هؤلاء تحت نفوذها بعقد معاهدات مع أمراء طوسكانه ومودينه وبارمه، وأقامت حاميات نمسوية في قلاعهم.
أما الملك فرديناند البوربوني فقد عاد إلى نابولي قاعدة ملكه، وضم إلى ملكه جزيرة صقلية أيضا، وتعهد للنمسة في معاهدة سرية بأن لا يعقد حلفا مع أية دولة أخرى، ولا يمنح لرعيته أكثر من الحقوق الممنوحة إلى لمبارديه وفنيسيه، وعلى الرغم من هذه النتائج المحزنة فإن الأحرار الطليان لم يقطعوا رجاءهم في استقلال إيطالية، وقد رأينا كيف أنهم في فترة من الزمن يعلقون آمالا على مورات في تحقيق هذا الرجاء، وحين انسحب هذا من الميدان فإنهم وجهوا أنظارهم نحو الأسرة الملكية في بيمونته التي تتبوأ العرش في تورينو، وكان ملكها الأمير الوحيد الذي ينحدر من أصل إيطالي من بين أمراء إيطالية، فراح الوطنيون يحلمون في تأسيس دولة إيطالية في الشمال تجمع بين بيمونته ولمبارديه وإيالات الروماني، ولم يفكر هؤلاء وقتئذ في الوحدة الإيطالية الشاملة، وإنما كان البعض منهم يرى أن الوقت الذي يتألف منه اتحاد إيطالي من الدول الإيطالية الثلاث: دولة إيطالية في الشمال ودولة البابا في الوسط، ودولة نابولي في الجنوب؛ سيأتي فيما بعد.
نتائج مؤتمر فينا
لقد جزأ مؤتمر فينا إيطالية إلى ثمانية أجزاء وهي: مملكة بيمونته، والإيالات النمسوية في الشمال، ودويلات الكنيسة ودوقيات طوسكانه ومودينه وبارمه ولوكا في الوسط، ومملكة نابولي وصقلية في الجنوب، وقد أعطيت «بارمه» إلى الأميرة النمسوية «ماري لويز» أرملة نابليون، وأعطيت «لوكا» إلى الأميرة ماري لويز البوربونية - وكانت تحكم «بارمه» قبل الثورة الإفرنسية، أما الدويلات الأخرى فقد أعيدت إلى أصحابها القدماء باستثناء فنيسيه وجنوة.
ولما عاد الملك فيكتور عمانوئيل إلى عاصمة مملكته في تورينو استقبله شعبه بحماسة، ومع أنه كان يتصف بخلق نبيل وكان طيب القلب حسن النية، إلا أنه كان يكره كل تجدد، ويعتبر كل حركة إصلاحية بذرة من بذور الثورة التي كان هو عدوها الألد؛ ولذلك فإنه قضى على كل ما خلفته الثورة من أثر؛ برفض جميع القوانين التي وضعت حينما كان منفيا عن البلاد، ولم يعترف - فضلا عن ذلك - بأي موظف لم يكن مسجلا في سجل الموظفين قبل خروجه من بلاده، ولكنه حين لقي مقاومة سلبية من شعبه اضطر إلى التساهل وإغماض العين عن بعض القوانين، والموافقة على بعض الاصطلاحات، وأسس مجلس الإيالات، واحتفظ ببعض الموظفين من العهد الإفرنسي، وأدخل «بروسبير وبالبو» في الوزارة، وكان هذا الوزير من الإداريين القديرين، فأصبح من المتوقع القيام بإصلاحات جديدة.
ولكن عودة اليسوعيين أثارت انتقادات مرة ضد الحكومة؛ لأنها بذلك استمرت على الجمع بين مساوئ العهد القديم كالاعتساف في الحكم وسوء الشرطة السياسية، وبين نقائص الحكم الإفرنسي الجديد كالمركزية في الحكم.
أما في لمبارديه وفنيسيه فقد فرح أكثر الناس بعودة النمسويين ظنا منهم بأن النمسويين سيؤلفون منها مملكة، وسيقيمون مجالس إدارية قد تنقلب في المستقبل إلى مجالس تمثيلية، أما القانون الجديد فسيسن ملائما لسجايا الطليان وعاداتهم كما وعد مترينخ، بيد أنه سرعان ما رأى اللمبارديون أن كل هذه الوعود لم تتعد حدود القول، فأصبح القانون النمسوي نافذا، وأسندت المناصب العالية إلى النمسويين والتيروليين، وساءت الأحوال، وفشا الجهل حتى إن إمبراطور النمسة صرح بأنه لا يرغب في أناس متعلمين، وإنما يريد رعايا صادقين ومطيعين، وحدث عن خشونة النمسويين ووقاحتهم أمور، فكشف كل ذلك الستار عن نيات الحكومة الجديدة نحو رعاياها الطليان.
أما في طوسكانه فكانت حركة الارتجاع خفيفة الوطأة؛ إذ لم يحدث تغيير ما في المؤسسات المدنية التي أنشأها نابليون بدلا من نظامها اللامركزي، وقد أدرك أولو الأمر في هذه الإمارة ما طرأ على العالم من تطور وتحرر، حتى قيل إن الدوق كان على استعداد لقبول مجلس منتخب على أن يحتفظ لنفسه بحق تصديق القوانين ورفضها، ثم أعيدت بعض أملاك الرهبان إلا أنه لم يسمح مطلقا بعودة اليسوعيين - كما وقع في لمباردية.
Неизвестная страница
وفي روما عاد «كونسالفي» ممثل البابا في مؤتمر فينا ظافرا في مهمته، فتولى رئاسة الحكومة، وكان مقتنعا بأهمية التطورات التي طرأت على العالم، وميالا إلى الأخذ بالإصلاحات، فأراد أن يقوي الدولة التي أنقذها بإدارة لا مركزية وإصلاحات معتدلة، ورغب في أن تحكم الدويلات البابوية حكما صالحا وأن يرى أهلها مرفهين، وصرح أيضا بأن على البابوية أن تعترف بالعادات والأفكار الحديثة والآراء الجديدة التي أحدثها علم الاقتصاد السياسي وبثها، وكان يطمح إلى إيجاد إدارة تتبع البابا مباشرة بعيدة عن سيطرة المطارنة والأهلين معا، ومع ذلك فإنه لقي معارضة شديدة حينما حاول إصلاح القانون وتشجيع التعليم.
أما في نابولي فقد تظاهر الملك فرديناند بأنه أكثر أخذا بمبادئ الحرية من مورات، وتأهب لنشر بيان يعد فيه الناس بالدستور الجديد، ولكنه حين علم بسقوط خصمه سرعان ما تنصل من وعوده، وعاد المهاجرون ورجال الإكليروس يطالبون بحقوقهم، ثم استلم المهاجرون أملاكهم ولقيت صقلية التي التجأ إليها الملك أيام نكبته كل جحود منه فيما بعد، وكانت الجزيرة تعتز بدستور - يمنح الأشراف بعض الحقوق - حصلت عليه بعد جدال عنيف وبتدخل قائد الحامية الإنجليزية، ورغم أن الملك أقسم يمين المحافظة على الحريات الممنوحة وكفلت إنجلترة ذلك أدبيا، فإنه لم يرتح إلى وجود إدارة دستورية بالقرب من مملكته، خشية سريان مبادئ هذه الحريات، وعملا بالمعاهدة التي عقدها مع فينا فإنه أوقف الدستور الصقلي وألحق صقلية بمملكة نابولي وألغى الجيش والراية الصقليين.
ذكرنا فيما تقدم خلاصة ما أصاب الدول الإيطالية من تبدلات بعد مؤتمر فينا، وعلى الرغم من أن هذه التبدلات تحمل في باطنها الآراء الرجعية إلا أنها لم تكن شديدة القسوة، وإذا استثنينا فرديناند ملك نابولي فإن الأمراء كانوا بصورة عامة صالحين وذوي رغبات حسنة.
ومع أنهم كانوا بعيدين عن فهم روح العصر الجديد فإن نفوسهم كانت تتوق إلى رؤية رعاياهم سعداء، وعليه فإن الإدارة في حكومات المقاطعات قد تدرجت من حسن إلى أحسن، ومع ذلك فقد ظل رجال تلك التبدلات يعتبرون القانون الإفرنسي من العوامل الهدامة لدعائم الأخلاق التي تستند إليها الهيئة الاجتماعية، ولاح لهم أن القانون المذكور قد أضعف الدين وأضر بروابط الأسرة، فراحوا يطالبون - ملحين - بفسخ الزواج المدني وإلغاء قانون الطلاق وترك أمر التعليم إلى الإكليروس.
فأعدت العدة لأن يكون التعليم الإجباري بموجب تعاليم الكثلكة، ونظرا إلى الريبة فيما تبثه الجامعات فإنها روقبت من قبل الشرطة، واتخذ الأمراء دوق «مودينه» قدوة لهم في أعمالهم، وقد كان هذا الأمير - في الحقيقة - من أفظع المستبدين في إيطالية الحديثة، يخشى النتائج السياسية التي قد تنشأ من التعليم، واعتبر المدرس الذي يبث في تلاميذه المبادئ التقدمية الحرة من أكبر المذنبين، وطالما صرح «بأن الأحرار آثمون، علينا أن ندعو لهم أن يتوبوا وأن نجازي غير التائبين منهم.»
بيد أنه مهما أعد للحركة الرجعية من عدة فإنه كان مقدرا لها أن تصطدم بجميع المستنيرين من رجال الرقي والتقدم في الأمة، أما طبقة التجار التي أدركت ما بلغت قوتها في العهد الإفرنسي؛ فقد رأت ما أصاب تجارتها من فشل من جراء المكوس الجمركية التي وضعت بين دولة ودولة أخرى.
أما الجيش فقد كان متشبعا بالأفكار الديموقراطية، وكان دائم الانجذاب إلى طريقة نابليون، حانقا من جراء ضياع الحريات الاجتماعية والترقيات التي نالها الضباط الذين عادوا من المنفى، وضاق ذرعا بسيطرة النمساويين الذين كثيرا ما كسروهم في المعارك، فأخذت النظريات الحرة ومبادئ الحكم الدستوري تنتشر، وكان عملاء روسية في المدة القصيرة التي تظاهر بها الإسكندر قيصر روسية بميله إلى الآراء الحرة؛ يشجعون المستنيرين على بث تلك النظريات، أما السياح الإنجليز فكانوا ينقلون معهم مبادئ الحكم الحر فأخذ الناس يتتبعون - بكل دقة - أخبار المجالس النيابية في إنجلترة وفرنسة وحركة الهيتاريا
Hetaria
في بلاد اليونان.
وهكذا فإن حياة عقلية جديدة كثيرة النشاط قد دبت في الشمال وفي الوسط، وأخذ الجيل الحديث يقرأ مؤلفات «الفيري
Неизвестная страница
2
وفوسوكولو
3 » وما ترجم من الكتب الواردة من ألمانية وإنجلترة وأخذ يتطلع إلى البعث القومي المنشود ويتناقش فيه على قدر ما تسمح به مراقبة السلطة، ذلك كله دون أن يكون له رأي ثابت في كنه هذا البعث وحقيقته، وأصبح الأحرار البائسون والموظفون الذين فقدوا وظائفهم والضباط الذين أضاعوا مناصبهم وجنود الجيش الكبير «جيش نابليون»؛ ينتظرون - بفارغ الصبر - عودة أيام الحرية التي بزع فجرها زمن نابليون، وهكذا لأول مرة منذ زمن حزب جلفي
Guelfe
4
ظهر تشكيل جديد بزعامة جمعية الكاربوناري، أشبه ما يكون بالأحزاب القومية.
الفصل الثاني
جمعية الكاربوناري
كانت جمعية الكاربوناري تشبه في قواعدها ومراسمها تشكيلات الماسونية في إيطالية إلى حد ما، إلا أنها كانت ذات أهداف سياسية معينة، وكان أعضاء الماسونية كثيرين وذوي نفوذ في إيطالية الجنوبية، وتأسست جمعية الكاربوناري من الجمهوريين الذين التجئوا إلى منطقة جبال البروزه وكلبريه؛ لينجوا بأنفسهم، وليكونوا بمأمن من يوسف بونابرت «أخي نابليون».
وقد انضم إليهم رجال آخرون، وكان الدافع الوحيد الذي دفعهم إلى ذلك كرههم للحكم الإفرنسي، ولكن يصعب القول بأنهم كانوا جمهوريين أو ملكيين، وقد شجعهم فرديناند ملك نابولي واتخذهم حلفاء له ضد الإفرنسيين، وسعى مورات في السنوات الأخيرة لاستمالتهم إلى جانبه فلم يفلح وعجلت معارضتهم إياه بسقوطه.
Неизвестная страница
ولما عاد فرديناند إلى نابولي كان أول عمل قام به أن اضطهد الذين ساعدوه على العودة إلى عرشه، فتولى وزيره «كانوزا» رعاية الكلديراري - الجمعية المخاصمة للأحرار - وقد بلغ اضطهادها إياهم درجة حملت النمسة رغبة منها في الاحتفاظ بحكومة متساهلة على الإيعاز إلى فرديناند بأن يحل تلك الجمعية، وانتشر الكاربوناري في جميع أنحاء إيطالية الجنوبية، ومما ساعد على إيجاد أنصار لها من مختلف الأحزاب تعاليمها الدموقراطية الاشتراكية ونزعتها المسيحية، وقد اتخذ أعضاء الكاربوناري لهم مثلا أعلى، وكان زعماؤهم ينشدون بعث الهيئة الاجتماعية بعثا جديدا، وبث مذاهب الاشتراكية جامعين بين التصوف المسيحي وبين فلسفة القرن الثامن عشر، فادعوا بأن المسيح كان أول ضحية من ضحايا الطغاة، وكانت شارة الصليب تتوج مجالس الكاربوناري، وكانوا خاضعين للأوامر الدينية وللبابا.
ولاح لهم في وقت ما أن يقيموا كنيسة كاثوليكية مجددة يتولون هم قيادتها، وكانت تعاليم منهجهم تتطلب منهم التخلق بالأخلاق الشديدة الصلبة، حتى إذا صدر من عضو ما أعمال تخالف الأخلاق أو تخل بالشرف عوقب عقابا صارما، وعليه، فإنه لا يجوز لأي شخص أن ينتمي إلى الجمعية إذا كان سيئ السمعة، وكان من الصعب معرفة اتجاههم السياسي، على أنه لا شك في إخلاصهم للحرية وكرههم الشديد للاستبداد، ويلوح من شرح آراء زعمائهم أنهم كانوا يرمون إلى الجمع بين الإمبراطورية الرومانية، وشبه الاشتراكية الدموقراطية التي بشر بها جان جاك روسو، فتراهم يحلمون تارة باتحاد إيطالي برئاسة البابا ويتوقون تارة أخرى إلى الوحدة الإيطالية، على أن تكون روما عاصمة لها.
وكان يدير هذه التشكيلات المتنوعة محفل أعلى اتخذ روما قاعدة له، وكان لهذه التشكيلات هيئات عدلية تفرض عقوباتها التي تصل إلى حد الموت أحيانا، وكانت قوانينها المستقلة وعقوباتها الصارمة أدعى إلى ثقة الشعب واحترامه من قوانين الحكومة التي لا تحكم إلا بالظلم والاستبداد، فانتشر «الكاربوناريون» من نابولي إلى الشمال وأخذ هؤلاء بالاشتراك مع فرسان جلفي وأعضاء حزب أدلفي
Adelfi
في بيمونته وبارمه وحزب الاتحاد اللمباردي يدبرون المؤامرة الكبيرة التي هيأت ثورة 1820-1821، ولقد تجلت بوادر هذه الحالة الروحية الجديدة لأول مرة في لمبارديه في مظهر اجتماعي وأدبي، فقد أخذ استياء الشعب يزداد في الإيالات الخاضعة للنمسة، ولكنه لم يتعد المظهر السلبي، واقتصر العمل على الحزب المؤلف من الأشراف والبورجوازيين لا سيما في ميلانو وفي «برسيه»، وكان «كنفالونييري
Canfalonieri » رئيس هذا الحزب يجتمع بأحرار فرنسة وإنجلترة، وتسربت الآداب الرومانتيكية في إيطالية فأسس الحزب مجموعة «كونجلياتورة
Congliatora » بإدارة الشاعر المحبوب «سيلفيو بليكو»، ثم اندفع الحزب بعد ذلك إلى المؤامرة حتى نضجت واختمرت في الجنوب لا سيما في نابولي؛ لأن حكم فرديناند فيها كان فاسدا استبداديا، ومع أن القوانين فيها قد اقتبست أحكامها من المجلة الإفرنسية، إلا أنها كانت تنفذ تنفيذا لا يتفق والنصوص، وكان الناس لا يعتمدون على الحكومة ولا يثقون بها، وشجعهم على ذلك أن فرديناند كثيرا ما كان ينقض وعوده، ثم بدأ القرويون يتذمرون من ظلم الأشراف، وقد أهين الشرف القومي ببقاء جيش الاحتلال النمسوي في البلد إلى تاريخ 1817، وغدا القضاء ألعوبة بيد الأغنياء، وزاد تذمر الناس واستياؤهم بما أصاب الناس من فقر، وأدى السلم إلى فتح أبواب إيطالية أمام التجارة الأوروبية، فزاحمت البضائع الأجنبية المصنوعات الوطنية فضعفت صناعة الأقطان والمشروبات، فضلا عما أصاب تجارة الحبوب والزيت من الكساد جراء تدخل الحكومة، وانتشر القحط وعمت الأمراض في البلاد، وأخذ الناس يلعنون الحكومة ويصبون عليها غضبهم.
وطبيعي وقد بلغت الحال إلى ما وصفنا بسبب ضعف الحكومة وفسادها مما أدى إلى استياء الناس وتذمرهم؛ أن تنشط المؤامرات، وأن يوشك الكاربوناريون أن يسيطروا على البلاد؛ إذ أخذ المستاءون على اختلاف طبقاتهم ينضمون إليهم، وكان أفراد الجيش من أول المنضمين إلى الكاربوناري لحرمانهم من الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها، ولما شاهدوه من محاباة للمنفيين الذين عادوا إليه، وانضم إليهم القضاة مكرهين وبذلك أخذ عدد المنتمين إلى جمعية الكاربوناري يزداد يوما فيوما إلى أن بلغ عشرات الألوف ، حتى إن قوة المليشيا في الإيالات التي يبلغ عددها خمسين ألفا أصبحت في قبضة الكاربوناري، وقوة المليشيا هذه قد نظمها ضابط كالابري يدعى «جيجليلمو ببه»
Guiglieimo Pepe
بغية قمع الشقاوة، وبما أنه كان عضوا في جمعية الكاربوناري فقد استعد لاستخدام هذه القوة في الأغراض السياسية التي تعمل الجمعية في سبيلها.
Неизвестная страница