وقد كانت الثورة الإفرنسية بمثابة إنذار له فإذا انتظر أكثر من ذلك فقد تعلن الجمهورية في لومبارديه ويتزعزع عرشه، ورغم ذلك فإنه بقي ينتظر وتتنازعه الخشية من مصير هذه العاصفة الدموقراطية، وتدعوه لمؤازرتها والخوف من لوم السياسة الأوروبية واتهام رجالها إياه بأنه اتفق مع الثورة.
وفي 22 آذار تأكد من أن الشروط التي اشترطها على الميلانيين قد نفدت، واطمأن إلى أن حركتهم ليست جمهورية فاتجه عزمه نحو الحرب، وفي المجلس الذي ترأسه كان وزراؤه الضعفاء الحائرون لا يزالون مترددين ولكن الوزيران «باريتو وريجي» من أهل جنوة قالا بإعلان الحرب فورا كما يرى الملك، ولم يستطيعوا إقناع زملائهم بذلك الرأي إلا بمشقة كبيرة، وفي الغد جاء الرسل من ميلانو يحملون بشرى الانتصار، وحمل الملك الوشاح المثلث الألوان الذي أرسلته المدينة، وصرح أمام الجمهور بأنه يقف نفسه في سبيل قضية الأمة، وأعلن بعد يومين من ذلك في ندائه للحرب أنه دائما يقدم مساعدته لشعوب لمبارديه وفنيسيا، باسم الله والبابا وما يبذله الأخ لأخيه والصديق لصديقه.
الفصل الثالث عشر
الحرب
آذار-آب سنة 1848
وبينما كان الملك شارل ألبرت يتأهب للحرب كان القائد النمسوي راديتسكي ينسحب رويدا رويدا على طول طرق لمبارديه للاحتماء بالقلاع الأربع، وكانت الحكومة المؤقتة التي تألفت في نهاية الأيام الخمسة تحرص على حماية الأموال والأملاك وفيها ريبة من أن يكون المتطوعون جمهوريين، وقد اشترك منهم بضع مئات فقط في الحرب، وبقي الآخرون يضحكون على ذقن راديتسكي.
وكان الحكم النمسوي المديد قد جنى ثماره؛ لأن عجز الرؤساء وفقدان فكرة التضحية لدى الجماهير كانا قد دمرا رجولية الشعب، أما في بيمونته فقد قضى الملك وقته في المجالس الحربية، وظل مترددا من أن يخطو الخطوة الحاسمة فأضاع بذلك فرصة قطع خط الانسحاب على قوات راديتسكي.
واجتاز الفيلق الأصلي البالغ من القوة الثلاثة وعشرين ألفا نهر تسينا في 25 آذار، ولم يصل إلى «كريمونة» إلا بعد مسيرة تسعة أيام وكان راديتسكي في أثنائها قد انسحب إلى فيرونه بعد أن تغلب على المتطوعين في الشرق وفي الغرب، وحين التفت حوله الحاميات الأخرى بلغت قواته زهاء ستين ألفا، رابطت في القلاع الأربع «فيرونه - مانتويه - بشييرا - لجناجوا» حتى إذا ما فترت الحماسة القومية استطاعت المفرزات النمسوية أن ترسخ قدمها في الإيالات الإيطالية، وأخذ التلاميذ من أهل فينا الذين هم أسقطوا الحكومة يتطوعون للقتال في إيطالية ضد الحرية.
وكان الجيش النمسوي رغم كونه خليطا من ست قوميات تربطه روح الجماعة، حتى إن أكثر الجنود الطليان لازموا الجيش طول الحرب، وأبرزوا صداقتهم وثباتهم، وكانت قوة الجيش البيمونتي تقدر بخمسة وأربعين ألفا يعسكرون على ضفتي نهر «مينجيو»، وكانت قوات طوسكانه ونابولي ومودينه نحو اثني عشر ألفا تقف أمام مانتويه في أقصى جانبه الأيمن، وهناك أربعة آلاف من المتطوعين في التيرول وكان نحو من ثلاثين ألفا من أهل روما والبندقية ومن الهاربين من الجيش النمسوي في فنيسيه أو على وشك الدخول فيها.
وكانت المدفعية والخيالة البيمونتية تتفوقان على المدفعية النمسوية وخيالتها، إلا أن الجيش النمسوي كان أحسن تدريبا وعدة من الجيش البيمونتي، وكان أكثر قادة الجيش البيمونتي قليلي الخبرة والكفاية.
Неизвестная страница