ولاح لراديتسكي القائد العام في ميلانو أن العصيان العام والحرب في بيمونته على قاب قوسين، ومع أن قوته كانت تبلغ سبعين ألفا إلا أن نصف هذه القوة كان من الطليان الذين لا يوثق بهم، فأخذ يرسل الرسل تلو الأخرى يطلب المدد، وأخذت القوات تتحشد في غرويجية، وترك نائب الملك والحاكم العام مدينة ميلانو وكان للثورة الإفرنسية أثر عظيم في اندفاع البعض من المترددين، وجعلت القسم الأعظم من الأهلين يفقدون الصبر فبعثوا إلى الملك شارل ألبرت يقولون: «إذا لم تتجاوزوا نهر نسينا فسنعلن الجمهورية.»
وبلغ الاندفاع بالزعماء حدا رأوا معه أن لا يعتمدوا على الملك أكثر مما فعلوا وأن يثوروا في بضعة أيام.
وكانت بيمونته تترقب الحوادث بدقة متناهية، ففتنة التبغ ومجزرة الطلاب في بافية وأمور أخرى؛ كانت تزيد النار اشتعالا، وأصدر دازجيلو رسالة بمصائب لمبارديه، ومع أنه كان من المعتدلين فقد صب اللعنات على النمسة كأكثر المتحمسين تطرفا، وقد تألفت وزارة جديدة برئاسة بالبو دخل فيها «باريتو» زعيم الأحرار في جنوة.
وكان بالبو يميل إلى الحرب ضد النمسة من جهة، ويخاف من مطامع فرنسة في صافويه من جهة أخرى، وبدلا من أن يحشد القواد على الحدود اللمباردية فقد وزعها على أنحاء المملكة، ودعا ثلاثة دفعات إلى السلاح ، وقبلت الوزارة بفتور تكليف طوسكانه وروما بالحلف الدفاعي لتبقى حرة في حركة الهجوم - على ما يظهر - أما الملك شارل ألبرت فعلى الرغم من خشيته مما تؤدي إليه الثورة الإفرنسية ومن الطعن باليسوعيين؛ فقد اجتمع برسل ميلانو وطمنهم بأنه وشعبه سيمشقان الحسام في سبيل نجدة المدينة حين تثور.
وفي 17 آزار وردت أخبار مهيجة إلى ميلانو وتتلخص في أن الحركة في هنغارية قد اشتدت، ووصل صداها الإيالات الألمانية، وأصبحت فينا (معقل الاستبداد) في حالة عصيان، مما اضطر مترنيخ إلى تقديم استقالته، فقد وعد الإمبراطور بحرية المطبوعات وتأليف الحرس الأهلي ودعوة مجالس الدولة في لمبارديه، وشاهد الميلانيون صباح الغد مرسوم الإمبراطور معلقا في الجدران من دون إشارة إلى حرية المطبوعات، وكان الخبر قد وصل قبل ذلك، فبذل الزعماء طول الليل جهدهم لترتيب مظاهرة وهيئوا البيانات، وكان الشعب لا يحتاج إلى مشوقات فقد تأكد من أن ساعة العمل قد حانت فكتب «كاساتي» على المرسوم هذه الكلمات «متأخر جدا.»
واجتمعت جماهير كبيرة من الأهلين برئاسة كاساتي وذهبت إلى دار نائب الحاكم، فقتلت الخفراء ودخلت الدار وأرغمته على التوقيع على المرسوم الذي وضعه رئيسهم، وكان ينص على تسريح الشرطة وتخويل المجلس البلدي حق تأليف الحرس المدني.
وأراد كاساتي أن يتفاهم مع راديتسكي، ريثما يحرك شارل ألبرت ساكنه إلا أن الزعماء الشعبيين رفضوا كل تفاهم لا يتضمن الاستقلال التام العاجل، فهاجمت الجماهير الجنود الذين كانوا يمرون بالشوارع بالآجر والحجارة والآنية، وصبت عليهم الماء أو الزيت الفائر، وهزمت جماعة مسلحة فوجا بكامله، ونهب الناس السلاح من الدكاكين التي تصلح السلاح، وأقاموا الموانع في الطرقات، وقضت بعض القطع العسكرية ست ساعات في معركة حامية؛ لأجل أن تفتح لها الطريق إلى قصر البلدية.
وفي الليل أقام المتطرفون الشبان الذين قادوا الجماهير في النهار مئات الموانع، وفي صباح الغد استمر القتال بعنف، وامتد إلى جميع أنحاء المدينة وبلغ من شجاعة الأهلين وحماستهم أن شابين قاوما سرية يوما كاملا، وقد اشترك في القتال نساء وصبيان، فقتل البعض منهم، وأخذت الكنائس تدق نواقيسها فتشجع المواطنين على الكفاح وتثير الذعر في نفوس النمسويين.
وفتح الأغنياء أبواب قصورهم للفقراء الذين أصبحوا بلا دور ولم تقع أي جريمة ما عدا بعض السرقات الطفيفة، وكان الفقراء يأتون بالذهب الذي وجدوه في خزائن الحكومة وعومل الأسرى بعطف ووضعت الشرطة المكروهة في مأمن.
وبوصول الإمدادات بلغت قوات راديتسكي عشرين ألفا في ميلانو،
Неизвестная страница