وحاولت الحكومة تلافي الحالة بالتساهل على الأساس القديم؛ أي بمنح الحكم الذاتي وحرية المطبوعات والعفو العام ولكن زعماء الثورة من جميع الطبقات أجابوا بأنهم لا يرضون عن دستور 1812 بديلا، ولما فشل قائد الحامية في مباحثات الهدنة انسحبت فجأة من الساحل، وعبر البحر إلى نابولي، وكانت المدن الأخرى قد ثارت أيضا فلم يبق لحكومة نابولي معقل في الجزيرة إلا قلعة مسينة وثلاثة حصون أخرى.
وكانت الثورة في صقلية فاتحة ثورات هزت أوروبا في ربيع سنة 1848، وكان للجرأة التي أظهرها بضعة رجال في هجومهم على الحامية القومية وانتصارهم العجيب وإسقاطهم الفجائي لحكم آل بوربون؛ تأثير عميق في إيطالية وفي أوروبا، ولم يف أهل نابولي بوعدهم الذي قطعوه لباليرمو لأن «كارلوبوئيريو» أنشط رؤساء المؤامرة كان سجينا فظل الأحرار مكتوفي الأيدي.
وثار أولا قرويو «سيلنتو» وانتشرت الثورة في إيالة ساليرنة، ولما شاع خبر اقتراب العصاة انتشر الذعر في المدينة وتململ الأحرار الضعفاء وارتعد البلاط للأخبار المبالغ فيها، فاضطرت الحكومة إلى إخلاء سبيل «برئيريو» فنشط على إثر ذلك أنصاره للعمل، وأعدوا مظاهرة كبرى لإقلاق الملك، ولما رأى فرديناند ضعف قواته استشار قواده مساء يوم 27 كانون الثاني ثم منح الدستور.
قوى منح الدستور في نابولي عزيمة الأحرار في جميع أنحاء شبه الجزيرة، وأخذوا يطالبون بمثله في كل محل، وكانت بيمونته أول من تأثر بهذا الخبر، وأشار الوزراء على الملك في 2 شباط بمنح الدستور، فكلف الوزراء بوضع لائحة دستور وظل مترددا بين الرفض والقبول.
وأخذ جزع الناس يشتد يوما فيوما ثم صوتت المجالس في تورينو وفي جنوة للدستور، وارتعد قسم كبير من الرجعيين من العاصفة فضموا أصواتهم إلى أصوات المطالبين به أملا من أن ينالوا الأكثرية في مجلس الأعيان، وأشار مجلس الدولة على الملك بالموافقة لأن كل محاولة أخرى ستؤدي إلى حرب أهلية، وارتاح ضميره حين نصحه مطران وطني، وتمت الموافقة على منحه في 8 شباط.
وامتدت الحركة من بيمونته إلى طوسكانه وكانت الحكومة قد أضاعت كل قوتها في مقاومة الشعب، ولم يبق لديها إلا الحرس المدني الذي كان هو في مقدمة المطالبين بالإصلاحات.
وكانت الوزارة بين الأخذ والرد حتى وصلت أخبار فوز الحركة الدستورية في بيمونته فقضت على التردد، وأعلن الدوق الكبير الدستور في 11 شباط.
وبعد فوز الأحرار في بيمونته وطوسكانه أصبح صعبا أن ترفض روما الدستور، ولم يستطع البابا أن ينسى الإهانة التي لحقته في حادثة «فراره»، فرفض الموافقة على طلب الحكومة النمسوية بمرور القوات من ممتلكاته لسحق حركة الأحرار في نابولي، فأذعن للحركة الجديدة؛ إذ مال إلى جانب أشد المعتدلين، وحمى التعليم، ورعى خطط الإصلاحات، ومنح الامتيازات لشركات السكك الحديدية، وكان مازيني قد أرسل كتابا مفتوحا ألح عليه فيه بمسايرة جيله ليؤسس الوحدة الإيطالية، ولكن الأحرار كانوا ينسبون جميع الإهمال إلى الكرادلة الذين ظل البابا متمسكا بهم، فمل الناس الانتظار الطويل، وفقد البابا سحره، وأخذ حبهم له يتضاءل، وأصبحت حظوته لدى الشعب تتوقف على إسراعه في تلبية طلبات الشعب الملحة المتزايدة.
وقد أصر «روسي» على إسراعه في تلبية طلبات الشعب الملحة المتزايدة، وقد أصر «روسي» على البابا بالموافقة على وزارة علمانية وإقامة مؤسسات تمثيلية مهما كان شكلها؛ وذلك لجلب المعتدلين إلى جانبه والقضاء على نفوذ المتطرفين، وسئم المعتدلون الذين يؤلفون الأكثرية في مجلس الدولة معارضة الحكومة لقراراتهم، وأصاب مساعيهم في إصلاح التعليم والإدارة والجيش العقم حتى إنهم بعد مناقشة حادة مع البابا تركوا الميدان، وأفسحوا مجال العمل للمتطرفين وحدهم.
وقد مالت الأمور في بعض أنحاء الروماني إلى الفوضى ووقعت اغتيالات سياسية في بعض الأماكن؛ بحجة القضاء على السنتوريون، وأخذ مازيني على الرغم من الكتاب الذي أرسله يشجع أصحابه على الطعن في البابا، وحين أصبح المجلس مشلول الحركة اتفق الأحرار على تركيز مطاليبهم في القيام بإصلاح داخلي وتعيين وزارة علمانية تستعد للحرب، وكان القوميون المحافظون على أهبة الانضمام للمتطرفين؛ لحمل البابا على تلبية المطالب الوطنية فاضطر بعد تردد طويل إلى الموافقة على تأليف وزارة أكثريتها علمانية، ولكن إرضاء البلاد بوزارة علمانية قد فات وقته.
Неизвестная страница