الذي ظل مرتبطا بالبابوية، يريد أن يجعل منها قاعدة للحركة القومية.
وعملت هذه الأحزاب على بث روح الاستياء بين الشعب، حتى أصبح الانفجار أمرا لا بد من وقوعه إن عاجلا أو آجلا، وكانت دويلة الروماني الملجأ الذي تركزت فيه كل المؤامرات، وحال دون نشوب الثورة في دويلات البابا وجود حكومة «كنسالفي» في روما وعدم انحياز جيشها إلى الكاربوناريين، ولكن سوء الإدارة في هذه الدويلات بلغ حدا لا يطاق، وحدث في مثل هذه الظروف أن مات البابا فسارعت النمسة وفرنسة إلى السعي الحثيث لانتخاب البابا من أنصارها ولكن البابا الجديد جاء خصما للنمسة ثم مات بعد أن حكم ست سنوات، فبذلت النمسة كل جهدها في بابا من أنصارها ولكن لم يلبث أكثر من سنة واحدة حتى مات، فسارع الكرادلة الزيلاني أنصار فرنسة إلى انتخاب مرشحهم سنة 1831 باسم جرجوار السادس عشر.
وفي عهد هذا البابا بلغ الشغب في الولايات البابوية حده الأقصى، وكان الكاربوناريون قد انبثوا في الإيالات الواقعة وراء الأبنين وأخذ الموظفون وأفراد الشرطة أنفسهم ينتمون إلى الجمعيات السرية، ونشبت الثورة في بعض المدن جهارا، واستطاع الكاربوناريون في باريس أن يقبضوا على زمام الحركة في الشمال وفي الوسط.
ولما ارتقى الأمير «لويس فليب» على عرش فرنسة تبنى المؤامرة الإيطالية فانتشرت بسرعة حتى إن الدوق فرنسوا أمير مودينه كان مستعدا أن يحارب النمسة أو أن يحمل على الشروع باقتسام أملاك البابا، شريطة أن تساعده فرنسة، وراح يتشاور مع رؤساء الأحرار في مودينه في هذه الأمور حتى إن وطنيي شمال إيطالية البسطاء أخذوا يرون فيه الرئيس الملكي المنتظر، وقامت فروع الكاربوناري في بولونيه وروما تدبر العصيان وحددت وقت الانفجار في بداية شباط «فبراير» إلا أن فرنسوا رأى أنه ركب مركبا خشنا، وهنالك ما يدل على أنه خان شركاءه اجتذابا لعطف النمسة.
ولما نشب الاضطراب في روما قبل أوانه وتمكنت الحكومة من قمعه؛ قرر الدوق فرنسوا العمل فأحاطت جنوده ليلة 3 شباط 1831 بدار مينوتي من رؤساء الأحرار في مودينه وقبضوا عليهم، وفي اليوم التالي ثارت بولونيه وانضم إلى الكاربوناريين كثير ممن لم يكونوا يتحمسون لهم؛ أملا في الخلاص من حكم الكنيسة فتآخى الجنود والثوار أو أنهم انسحبوا خائفين، أما فرنسوا فلما أطلع على هذا الخبر فر هاربا ومعه المقبوض عليهم وسارت خلفه دوقة بارمه، وأصبحت بذلك البلاد من بولونيه إلى بياسنزة في أيدي الأحرار، وكذلك التحقت الروماني أيضا بالثورة التي اندلع لهيبها في أنحاء كثيرة وامتدت مسافات شاسعة.
وحين تقدم جيش الأحرار بقيادة «سركونياني» اندلع لهيب الثورة في جميع ممتلكات البابا، ومال موظفو البلديات ومأمورو الدولة إلى الأحرار حتى إن كثيرا من الرهبان وبعض الأساقفة أظهروا ميلا نحو الثورة، وأعلنت الحكومة المؤقتة في بولونيه إلغاء حكم البابا، وأمرت بالشروع بالانتخابات لعقد مجلس الأمة.
وقد وصل إلى بولونيه مندوبون من جميع الأنحاء وعينوا أهدافهم القومية في تلك الحركة، فأطلقوا على المجلس اسم «مجلس نواب الإيالات الإيطالية المتحدة»، وفي اليوم التاسع عشر من شهر شباط حينما عسكر جيش سركونياني على مقربة من روما طلبت إليه حكومة بولونيه أن لا يتقدم ؛ لأنها كانت تشك في صداقة أهل روما، وكانت الحكومة في روما على غاية من الارتباك، وليس لديها من القوة ما تستطيع بها المقاومة، وحدثت اضطرابات في المدينة نفسها فتأهب البابا لترك المدينة واستعد وزيره الأول برنيتي لمفاوضة الثوار.
وفي هذا الوقت الحرج كانت القوات النمسوية في طريقها لإنقاذ السلطة البابوية من موتها المحتم، وكانت الثورة قد اعتمدت على مساعدة فرنسة بأن تحميها أمام كل تدخل خارجي، ولكن المبدأ الذي اتفق عليه في ثورة تموز السابقة يقضي بألا تتدخل دولة في الحوادث الداخلية لأية دولة أخرى، من أجل ذلك أعلنت فرنسة أنها لا تسمح بإخلال ذلك الأساس، وكانت قد ساعدت اللاجئين الطليان على الدخول في الروماني، ووعدت بأن تشهر سلاحها في وجه النمسة إذا تدخلت هذه في شئون الطليان الداخلية إلا أنها أرسلت في الوقت نفسه إلى مترنيخ رسالة سرية تؤكد له الأهمية لما صرحت به.
فاستولى النمسويون بسهولة على بارمه ومودينه، وعاد الدوق بحراسة الحراب النمسوية، وكان أول عمله أن صلب مينوتي زعيم الأحرار في مودينه، أما الجنرال زوكي قائد جيش الثوار في مودينه فانسحب إلى حدود الروماني بدلا من أن تسمح حكومة بولونيه بدخول الجيش الثائر في بلادها فإنما تمسكت بأساس «اللاتدخل»، وانتظرت عبثا مساعدة فرنسة ثم اعتبرت جنود ذوكي محاربين، فجردتهم من السلاح ونقضت بذلك عمل المجلس في إطلاقه اسم إيالات إيطالية المتحدة على المناطق الثائرة.
ولم يلق النمسويون أية مقاومة في احتلال بولونيه، إلا أنهم حين توغلوا فيها اصطدموا بجيش زوكي الضعيف فارتدوا على أعقابهم، بيد أن حكومة بولونيه المؤقتة كانت قد استسلمت أمام رسل البابا لقاء وعد ضعيف بالعفو ووقعت شروط الهدنة وبتسريح جنود زوكي وسركونياني، وبهذا انتهت الثورة على الصورة المخزية بعد أن دامت ثلاثة أسابيع.
Неизвестная страница