ولم يكتف الملك بذلك، بل استدعى اليسوعيين إلى مملكته ليساعدوه على إتمام العمل الوحشي الذي بدأ به، فأحرقت الكتب التي تحتوي الآراء الحرة ومنع استعمالها، وفرضت مكوس باهظة على الكتب الواردة من الخارج، وكان الوزير «مديجي» يعترف بأن من واجبه أن يترك الشعب في جهل مطبق، وأخذت الحكومة تطارد الكاربوناريين، ففر الأحرار إلى الجبال بأسلحتهم مؤلفين العصابات.
أما في بيمونته فسار الملك الجديد شارل فيلكس على أثر زميله ملك نابولي في حركة الارتجاع، إلا أن تقاليد بيمونته الموروثة حالت بينه وبين الاندفاع في الطغيان الذي انغمس فيه فرديناند، ولم يكن هذا الملك الجديد ظالما بطبعه ولكنه كان يعتبر الثورة من أفظع الأعمال التي يجب أن يسحقها، وكان يحكم حكما استبداديا بكل معنى الكلمة، فارتاب في جميع الناس حتى في وزرائه، وشعر بالمقت الشديد لأعمال المجددين.
وكان لا يتردد في القول: «الملك هو الشخص الوحيد الذي منحه الإله القدرة على اختيار أحسن الوسائط لاستخدامها في سبيل سعادة رعيته، وإن أول واجب للتابع المخلص ألا يتشكى أبدا.» إلا أنه لم يكن متصفا بالخلال التي تؤهله لأن يكون ملكا عظيما، وكان الوحيد من آل صافويه الذي لم ينشأ من سلك الجندية، فكره أشغال الحكومة ومراسم البلاط، ولم يكن لديه أصدقاء إلا القليل.
وهكذا أصبحت بيمونته الحرة ترزح تحت نير الاستبداد، وقد أهينت كرامتها القومية ببقاء اثني عشر ألفا من الجند النمسويين فيها محتلين إياها، وانتشر الأحرار المبعدون تحت كل كوكب في فرنسة وإسبانية وإنجلترة ومصر وأمريكية الجنوبية، وأصبح سانتاروزا يدرس اللغة في نونتنجام، إلى أن مات بطلا فيها، ومع ذلك كله فقد بوشر تنفيذ بعض الإصلاحات من لوائح بالبو الإصلاحية الخاصة بالأمور العدلية، ووجه اهتمام إلى الأمور الزراعية، وشجع المرسح ونشطت الآداب.
ثم انفصل شارل فيلكس من أصدقائه النمسويين وأهل روما، فاحتج على النمسة لاحتلالها ألكسندرية، ومع أنه كان يشجعها على البقاء في نابولي إلا أنه رفض دعوتها إياه إلى التعاون المشترك ضد الأحرار، وبهذا لم يضع الفرصة للظهور بمظهر الملك المستقل بآرائه.
الفصل الثالث
الأحوال الاجتماعية في إيطالية
بيمونته
كانت مملكة بيمونته وليدة قرون عديدة، وكان كونتات آل صافويه قد توصلوا إلى أن يتملكوا هذه الدولة الثانية من دول إيطالية من حيث السعة والتي ظفرت بموقع عال بين الممالك الثانوية في أوروبا، وبما أن هذه المملكة الصغيرة واقعة بين فرنسة والنمسة؛ فإنها كانت ساحة للحروب التي نشبت بين المملكتين العدوتين، وقد استطاع بيت صافويه المالك بالسياسة الحكيمة أن يوسع حدود مملكته على حساب المملكتين المذكورتين، بوقوفه دائما بجانب المنتصرة منهما.
فكانت بيمونته الدولة الوحيدة في إيطالية التي احتفظت باستقلالها أيام التسلط الإسباني في القرن السابع عشر، ووقفت إلى جانب إنجلترة ضد النمسة في بداية القرن الثامن عشر، فأضافت إلى ممتلكاتها «ألكسندرية» و«الميلينا» ثم انحازت إلى فرنسة فحصلت على إيالة «نوفاره»، وانضمت إلى جانب فينا في حروب النمسا الوراثية، فوسعت حدودها إلى تستينا، فلم تعقد معاهدة - والحالة هذه - إلا وضمت أرض إلى مملكة بيمونته.
Неизвестная страница