وربما كانت الحكومة تميل إلى التساهل في هذه القضية، وفي بعض القضايا الأخرى المختلف فيها، فقد تأجل البحث في القضايا الخطيرة كالنكاح المدني وموازنة الإكليروس، ولما ظهر للعيان أن اختلافا شديد الخطورة مجهول العواقب يوشك أن يقع تجلت الحاجة إلى وجود يد أقوى من يد دازجيلو يستطيع أن يواجه الأزمة.
وكانت شهرة كافور المتزايدة قد طغت على شهرة دازجيلو، لم تكن بداية حياة كافور البرلمانية موفقة، فقد جعلته علاقاته الأرستقراطية والآراء الرجعية التي كانت تعزى إليه غير محبوب من الشعب، بيد أنه استطاع بعد ذلك أن يفرض شخصيته وأن يوطد نفوذه فدل على متانة خارقة وإرادة صلبة وجرأة نادرة وذاكرة متوقدة ومقدرة على العمل فائقة.
وكانت خطاباته ذات تأثير في المجلس النيابي، وكان متحليا بكل ما يقتضى لجلب ثقة الوسط من الناس، وكان تقريبا يرقب الرأي العام ويتحاشى الانسياق في تيار لا يلائم ظروف الزمن العملية إلا فيما ندر، وكانت سياسته سياسة حزم بكل معنى الكلمة، وكان يقول: «إن على إيطالية أن تنشئ نفسها بالحرية ولا فائدة من إنشائها عن غير طريق الحرية.»
وكان قانعا - كل القناعة - بأن الشعب سيدرك الحقيقة، عاجلا أو آجلا؛ ولذلك فإنه كان يرفض تقييد حرية الصحافة، ويتذمر من إعانة الحكومة جرائدها.
وقد طبق المبادئ الحرة نفسها في معالجة قضايا الكنيسة والدولة، فكان يعتقد أن الكنيسة المصونة من سيطرة الحكومة؛ تستطيع أن تلعب دورا خصبا في التطور الاجتماعي، ولو خير في الأمر لترك الكنيسة تحتفظ بكامل حريتها في أنظمتها الخاصة وفي طقوسها، وكان شعاره في ذلك «كنيسة حرة في دولة حرة.»
وكان يتوقع أن يرى النمسويين يوما ما مطرودين من إيطالية والسلطة الزمنية ملغاة، ومما لا شك فيه بأنه كان يؤمن بإيطالية دولة حرة موحدة، ولكنه ظل في هذه القضية شأنه في القضايا الأخرى؛ ذلك الانتهازي الذي يترقب الفرص ولا يتقيد بأية طريقة.
وكان هدفه وقتئذ السعي لرفاه بيمونته واستخدام نفوذه في مصلحة البلاد الإيطالية الأخرى إذا ما سنحت الفرصة، ولم يكن في البدء ينتمي إلى حزب ما ولكنه زج نفسه في اتجاه حر بتأثير الحماسة سنة 1848.
ثم جعله الشطط الذي حدث في الشتاء الذي تلا تلك السنة من المحافظين، ولكنه أيقن على إثر الرجعية التي عقبت نوفاره أن الاستبداد أشد خطرا من تهويش حكم الدهماء، وحركت نقمته من ضعف دازجيلو ساكن نزغته الحرة وجعلته يقدمها على كل شيء.
وقد قال بضرورة تأليف حكومي قوي، كما ارتأى رتازي وسعى كثيرا قبل صدور الإرادة بحل المجلس في التأليف بين الأحزاب، وكان يفضل الاستناد إلى اليمين إلا أنه رأى صعوبة الاتفاق مع قسمه المتطرف في القضايا الدينية والتجارية، وقد شرع يتهدد الوزارة بلطف في خطبة بالمجلس، مما جعلها تسير بحذر في الإصلاح، وشعر الوزراء بحاجتهم إلى رجل قوي وبتأثير من القائد لامارمورا والملك عين في 11 تشرين الأول 1850 في وزارة الزراعة والتجارة الشاغرة.
وقد تنبأ الملك بأن كافور سرعان ما يجعل الوزراء طوع إرادته ويصبح الرئيس الفعلي بينهم، وتنفس الأحرار الصعداء بتعينه واعتبروه بشيرا في رغبة الوزارة في القيام بإصلاحات إكليريكية أخرى، بيد أن كافور انصرف إلى الأمور الاقتصادية حتى إنه شرع قبل أن يصبح وزيرا للمالية في نيسان بتنفيذ سياسته في حرية التجارة إلى حد بعيد، وكان اشترع قوانين لتنظيم الجمعيات باسم النقابات، والتسليف الزراعي ومشاريع التعليم الزراعي وإصلاحات البريد والسكك الحديدية بعض ما تم على يديه في سبيل رقي بيمونته وإعانة تجارتها. وقد ألغيت الضرائب الإقطاعية التي كانت لا تزال تجبى في بعض المناطق وأبطل حق البلديات في تقدير سعر الخبز، بيد أن جميع هذه المشاريع ذات شأن إذا قورنت بما قام فيه من إصلاحات عظيمة في الشئون المالية.
Неизвестная страница