لو فزت منك، على علم، بحرمان
يا من هو الناس في عيني وإن كثروا
إني أخص بشعري كل إنسان
أهدي إلى الناس ما أعنيك أنت به
فاقبل، فإنك بعض الناس ديواني
هيكل إدفو
الكون لا حد له في زمان ولا مكان ولا قوة، والإنسان محدود في زمانه ومكانه وقوته؛ أيامه معدودة وحواسه مقيدة، ومداركه على قدر أيامه وحواسه، والعلاقة بين هذين الكونين: الكبير الذي لا نهاية له والصغير المحدود في كل جهة من جهاته هي الدين. فما دام الإنسان يشعر بقوة أكبر من قوته المخذولة ولا يشعر بها على تمامها، وما دام يدرك أبدية الزمان والمكان التي يغرق فيها وجوده الضيق ولا يدركها على جليتها، وما دام هو أكبر من أن يجهل علاقة ما بينه وبين هذا الكون، وأصغر من أن يعلم كل علاقة، فهو مؤمن متدين علم ذلك أو لم يعلم:
الدين باق ما جهلنا سره
ولنبقين بسره جهالا
ظهر الدين في كل أمة وفي كل قبيلة كما ظهر الطعام؛ لأن النفس تطلب الإيمان كما يطلب الجسد الغذاء، فاتخذ الناس في الهمجية وفي المدنية أربابا ومعبودات جسموا فيها شعورهم المبهم باللانهاية، وتمثلوا فيها القوة التي لم يستطيعوا أن يجهلوها ولا يستطيعون أن يعلموها، وبنوا الهياكل على الأرض فكان كل هيكل وضعوه لأربابهم تمثالا صغيرا للكون الكبير، تدخله فتبادرك روعته كما تبادرك روعة العظيم وأنت واقف أمام تمثاله. وقد حذق أجدادنا وسابقونا في وادي النيل صناعة هذه التماثيل: تماثيل الكون، فرفعوها ضخمة مكينة ترى في ضخامتها معنى الخلود، وغشوا باطنها بالظلام الدامس فعكسوا على جدرانها ظلام الغيب المجهول، وأحاطوها بالرموز والأسرار، فقال قوم: ذلك علم لا نعلمه، وقال آخرون: بل مفاتيح لما تحتها من الكنوز!
Неизвестная страница