أما العبادة فقد فقدت معناها الأول في القرن السادس من الميلاد، ودب فيها الفساد وتغير جوهرها؛ فأصبحت طائفة من الخرافات والأوهام - التي يمجها العقل - تدين بها طائفة من المبطلين.
قال أحد معاصري محمد
21
صلى الله عليه وسلم -: «كنا - إذا عثرنا على حجر جميل - عبدناه، فإذا عز علينا أن نجده أنشأناه من الرمل إنشاء، ثم سقيناه لبن ناقة درور مدة من الزمن، ومتى تم لنا ذلك عبدناه، ثم لا نزال نفعل ذلك ما دمنا في ذلك المكان!» •••
ولكن هناك طائفة كبيرة من الناس كانت - على العكس من ذلك - على جانب عظيم من الرقي والحضارة، فلم يكن عندهم عقيدة في أرباب هي من صنع أيديهم من الحجارة أو الخشب!
ولقد كان الناس - في ظاهر أمرهم - يمجدون تلك الأرباب ويحجون إلى محرابها، ويحتفون بمواسمها السنوية، ويذبحون القرابين في هياكلها، ويريقون دماءها على تلك الآلهة التي يعبدونها؛ سواء أكانت من الحجر أم من الخشب، بل لقد كانوا يلجأون إليها كلما حزبهم أمر؛ ليلتمسوا منها البركات، ويتكشفوا بوساطتها مستقبل أمرهم الغامض.
على أن عقيدتهم فيها لم تزد على هذا القدر من المظاهر، أما فيما عدا ذلك فقد كانوا لا يترددون في تحطيم آلهتهم إذا لم تتحقق نبوءتها، أو إذا جرؤت على إذاعة شيء يكرهونه، ويخشون إذاعته مما اقترفوه من الدنايا.
وقد تنزل بأحدهم كارثة فينذر لأحد الأصنام أن يذبح نعجة قربانا له إذا تكشفت غمته، فلا يكاد يزول عنه الخطر
22
حتى يستبدل النعجة - وهي قيمة عنده - بغزال لا يكلفه ثمنه أكثر من أن يصطاده بيده، يفعل ذلك وهو معتقد أن ذلك المعبود لا يكاد يفرق بين النعجة والغزال!
Неизвестная страница