Арабские писатели в эпоху Аббасидов
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Жанры
فيتبين من ذلك أن الكتاب كان ذا صور في الأصل، وأن ابن المقفع كان يرجو خلوده في نوادره، وصوره وأصباغه وألوانه، ولم يخطر له يومئذ أن الخلود مكتوب على بلاغة إنشائه.
وأما الباب الرابع، وهو برزويه الطبيب لبزرجمهر بن البختكان وزير كسرى، فقد ذكر فيه فضل برزويه، ونسبه وحسبه وصناعته وأدبه وكيف كان أمره، وذكر بعثته إلى الهند، وجعله قبل باب الأسد والثور، وجعل الكلام فيه على لسان برزويه الطبيب، وأكثر هذا الباب مباحث وتعابير طبية، وهو يدل على حكمة الطبيب، وبصره بالأمور، وخوفه من الدنيا، وميله إلى الزهد فيها؛ فهذه الأبواب الأربعة هي المقدمات الفارسية والعربية للأصل الهندي، فيكون مجموع الأبواب معها ثمانية عشر بابا تشتمل على كثير من الحكم والأمثال والمواعظ، ويمكن تلخيصها بأنها تدعو إلى النسك والزهد بما فيها من أخبار النساك والأمثال عنهم، وتأمر بالتقوى والنظر إلى الآخرة أكثر من النظر إلى الأولى، وتوصي بالمشورة وقلة الكلام، ومداراة السلطان ونصحه وإرشاده بضرب الأمثال، وتحديثه بعيوب غيره فيعرف عيبه، ولا يجد إلى الغضب على مؤدبه سبيلا، وتحث على الشهامة والجود والرحمة والعفو والحلم، وتغري بالشجاعة والإقدام، والصداقة والوفاء للأصحاب، وتزين الحزم والصبر والقناعة، وتنهى عن الحسد والاحتيال والنميمة، والطمع والشراهة والظلم والبغي وكلام السوء، وتدعو إلى الابتعاد عن سماع كلام الساعي والنمام، وتبين وخامة عاقبة الأشرار ومنافع الأصحاب، ومضار الإهمال والغفلة، وآفة التعجيل وقلة الروية.
والروح الإسلامية مبثوثة في تضاعيف فصولها؛ مما يدل على أن ابن المقفع تصرف في الأصل فجعله ملائما لأهل عصره، وهذا الذي جعل بعضهم يشكون في أن الكتاب مترجم، وزعموا أنه من وضع ابن المقفع، وأن الكاتب ادعى ترجمته لما كان للنقل من المنزلة الرفيعة في زمانه، وضاعف شكهم ما رأوا في الكتاب من وحدة التأليف بين الأبواب الهندية والفارسية والعربية، فرجحوا وحدة المؤلف.
ولكن ذلك لا يكفي للدلالة على أن الكتاب موضوع لا منقول، فأثر الترجمة بين في إنشائه، والحكمة الهندية الفارسية ظاهرة فيه كل الظهور بآدابها وأمثالها، فمن الراجح أن ابن المقفع نقله وهذبه وغير فيه وبدل، وتصرف في جمع أبوابه فظهرت عليه وحدة التأليف، وقد جهد في أن يجعل روحه إسلامية؛ كيما يصلح لتأديب الأمراء المسلمين، فوفق في غرضه، غير أنه ترك أسماء الأعلام فارسية أو هندية.
وبوسعك أن تتبين الروح الإسلامية في قوله على لسان برزويه: «وأضمرت في نفسي ألا أبغي على أحد ولا أكذب بالبعث ولا القيامة، ولا الثواب ولا العقاب، وأن لا إله إلا الله الفرد الصمد.»
فهذا الإيمان وما فيه من التوحيد إسلامي محض لا ينطق به فارسي مجوسي كبرزويه، وقد رأيت أن دمنة لم يقتل إلا بشهادة شاهدين؛ لأن شهادة الواحد لا توجب حكما. زد على ذلك ما في الكتاب من اعتقاد عظيم بالقضاء والقدر.
كليلة ودمنة: أسلوبه الإنشائي
حمل ابن المقفع إلى النثر العربي في كتابه هذا أسلوبا جديدا لم يعرف من قبل، وهو سرد الحكايات على أفواه البهائم والسباع والطير، تتخللها محاورات أدبية لذيذة فإذا هي تبدو في ظاهرها هزلا وتسلية، على حين أن باطنها جد وحكمة، ويزيد هذه الحكايات رونقا أن أساسها قائم على ضرب الأمثال، والأمثال كلام الأنبياء، فكل باب في مجموعه مثل مستقل، ولكنه يشتمل على عدة أمثال يتفرع بعضها من بعض.
وأول الكتاب باب الأسد والثور يفتتحه دبشليم بقوله لبيدبا: «اضرب لي مثلا لمتحابين يقطع بينهما الكذوب المحتال حتى يحملهما على العداوة والبغضاء.» فيورد بيدبا مثلا ويفرع منه أمثالا على ألسنة الحيوانات التي ذكرها في هذا المثل، حتى إذا انتهى وأراد الانتقال إلى باب آخر قال الملك: «قد سمعت مثل المتحابين إلخ، فحدثني عن إخوان الصفاء كيف يبتدئ تواصلهم ويستمتع بعضهم ببعض؟» فيوطئ الفيلسوف لغرضه بمقدمة تناسب المثل، يراد منها النصح أو التحذير أو ما شاكلهما كقوله: «إن العاقل لا يعدل بالإخوان شيئا، فالإخوان هم الأعوان على الخير كله، والمؤاسون عند ما ينوب من المكروه، ومن أمثال ذلك الحمامة المطوقة والجرذ والظبي والغراب والسلحفاة.» فيقول له الملك: «وكيف كان ذلك؟» فيستهل المثل بقوله: «زعموا.»
ويختم الباب غالبا بذكر ما ضرب المثل لأجله فيجعله نتيجة لما تقدم، مثال ذلك: «فهذا مثل إخوان الصفاء وائتلافهم في الصحبة.»
Неизвестная страница