وكانت أفكار الراهبة البارة تسبح معها في الفضاء، ونفسها تتوق إلى دار البقاء، وكانت ترى ألوف الملائكة ناشطين في الطواف بين الأرض والسماء، وبعضهم يحملون أرواح الأبرار المنتقلين من الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية، وهي مبتهجة بهذه الرحلة الطيرانية.
وبعد برهة انتهرها أحد الملاكين وقال لها: فكري أيتها البارة بالسماويات؛ لأن تفكيرك بالأرضيات المادية يجعلك ثقيلة على جناحينا، فلا نستطيع الارتفاع بك، بل نخشى أن ننوء بك ونهبط إلى أسفل.
فقالت: إني أفكر بمجد الله وبرحمته وأسبحه. - واظبي على التسبيح والتمجيد أيتها الأخت البارة.
هذا الحديث الموجز بينها وبين الملاكين تكرر مرارا، وكانت أحيانا كثيرة ترى ملائكة يمرون بها حاملين أبرارا مثلها، فتناجي أولئك الأبرار تارة وتشترك معهم بالتسبيح أخرى.
ورأت الراهبة البارة المرحلة طويلة فملتها وتململت قائلة: متى نصل إلى السماء أيها الملاكان المحبوبان؟ - نصل متى كففت عن التفكير بالأرضيات.
فتعود إلى التسبيح والتمجيد والترنيم الروحاني إلى أن «هون الله»، ورأت بوابة السماء على مرمى بصرها فتهللت ومجدت الله، وانقذف بها الملاكان إلى الحديقة البهيجة التي لدى البوابة وألقياها فيها.
وتقدمت فرأت قديسا يتمشى أمام البوابة البديعة الزخرف التي تأخذ بالألباب؛ لأنها مبنية من حجارة كريمة متنوعة متعددة الألوان من ألماس وياقوت وزمرد ويشب ولازورد ... إلخ. فكانت مدهوشة ذاهلة من تلك البدائع.
تقدمت إلى القديس وقالت: السلام عليك يا سيدي القديس الكلي الطوبي. - وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أيتها البارة.
ودخل معها إلى مدخل الجنة السماوية حيث رأت بوابة أخرى أبدع وأجمل من الأولى، وهي مفتوحة على مصراعيها، وكانت ترى القديسين يتمشون أفواجا في داخل جنة الله البهيجة، بعضهم يتحدثون بمجد الله، وبعضهم يسبحون جلاله مترنمين، وكانت مبهوتة مما تسمع وترى، والقديس ينظر إليها باسما لدهشتها، ولا يفوه ببنت شفة إلى أن ملكت وجدانها وقالت: تعلم يا سيدي الجليل أني جاهلة كل شيء إلا رحمة الله وقداسته، ولكن لي صديقا هنا، أؤمل أنه يستقبلني ويرشدني إلى المنزل الذي أعده الله الغفور لعبدته التائبة، فهل تتكرم بأن تستدعيه؟
فقال: من هو صديقك الذي تعنين؟ - هو الأب المحترم الراهب سلفاستروس.
Неизвестная страница