الأول: كيف كان هذا الحال من شدة الأسف والحزن مع كونه نبيا.
قال جار الله: قد قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى أن لاقاه ثمانين عاما.
وروي أنه سأل جبريل ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف؟ قال: وجد سبعين ثكلى، قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد، وما ساء ظنه بالله ساعة قط.
وفي الحاكم: قيل: قال جبريل ليوسف إن بصر أبيك قد ذهب من الحزن عليك، فوضع يده على رأسه وقال: ليت أمي لم تلدني ولم أك حزنا على أبي، حكاه الأصم.
جواب هذا مذكور في الكشاف قال: الإنسان مجبول على الحزن، وقد بكى رسول الله على ولده إبراهيم، وقال: ((القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يغضب الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون))، وإنما الحزن المذموم ما يقع من الصياح ,والنياحة , ولطم الوجه ,والصدر، وتمزيق الثياب، ولما بكى رول الله على بعض أولاد بناته وهو يجود بنفسه فقيل: نهيتنا عن البكاء؟ فقال: ((ما نهيتكم عن البكاء، وإنما نهيتكم عن صوتين أحمقين، صوت عند الفرح وصوت عند الترح)).
ولما بكى الحسن على ولد أو غيره فقيل له في ذلك؟ فقال: ما رأيت الله جعل الحزن عارا على يعقوب: فهذا حكم.
البحث الثاني: أن يقال: العلماء قد شرطوا في الأئمة سلامة الحواس التي يقع النقصان بها، كالعمى والصم والخرس، والنبوة أبلغ من ذلك، فكيف كان نبيا مع العمى؟
جواب ذلك والله أعلم: أن يقال إنه لم يذهب بصره بالكلية، فحدة البصر غير شرط وإن ذهب بالكلية فلعله كان راجيا لعود بصره.
وقيل: هذا شرط قبل التبليغ لا بعده، فلا يكون العمى ولا العاهات بعد التبليغ قد جاء في النبوة،
Страница 86