" يا مثبت القلوب ثبت قلبى على دينك، فقلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تدعوا بهذا الدعاء، فقال: ليس من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه "
، رواه البخاري ومسلم والترمذي، وأصابع الرحمن من متشابه الحديث، والمراد عدم التخلص عنه بوجه، والله من ورائهم محيط، وهذا ظاهر في أن القلب يكون أولا على الإسلام حتى يزاغ بكسب العبد، كأنه قيل: فإن شاء أبقاه على الحق، وذكر الرحمن لأن ذلك أعظم رحمة، وتسند الإزاغة إلى الله جل وعلا كما يسند إليه الإضلال، ومعناهما الخذلان، وهو ترك الألطاف، كان أبو هريرة يقول: يا رب، لا أزنين، يارب لا أسرقن، يا رب لا أكفرن، وذلك دعاء منه، فقيل له، أو تخاف ذلك؟ قال: آمنت بمحرك القلوب ثلاثا، أخرجه ابن سعد، وقال صلى الله عليه وسلم:
" إنما الإيمان بمنزلة القميص. مرة تقمصه ومرة تنزعه "
، رواه الحاكم، قال أبو الدرداء، كان عبد الله بن رواحة إذا لقينى قال اجلس يا عويمر فلنؤمنن ساعة، فنجلس فيذكر الله تعالى على ما يشاء، ثم قال: يا عويمر، هذا مجلس الإيمان، إن مثل الإيمان ومثلك كمثل قميصك، بينما أنت قد نزعته إذ لبسته، وبينا أنت قد لبسته إذ نزعته يا عويمر للقلب أسرع تقلبا من القدر أن استجمعت غليانا، رواه الحكيم الترمذى، وقال أبو أيوب الأنصارى: ليأتين على الرجل أحايين وما في جلده موضع إبرة من إيمان، قلت هذا يتصور لدى الإيمان الكامل ومن دونه، وذو الإيمان الكامل خائف راج غير آمن من مكر الله سبحانه { وهب لنا من لدنك } عندك { رحمة } إنعاما بالتثبيت على الحق من المتشابه وغيره، أو بالجنة، أو بالمغفرة، أو نعمة هى نفس الحق وما ذكر { إنك أنت الوهاب } لكل مطلوب أردت إعطاءه، إما بنفسه، أو ما هو مثله، أو خير منه، أو يدفع ضر أو ثواب في الآخرة. قال الطبرانى في معجمه الكبير: والمعجم ما وضع عل حروف المعجم ا ب ت ث عن أبى مالك الأشعرى، أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول:
" لا أخاف على أمتى إلا ثلاث خلال: أن يكثر المال فيتحاسدوا فيقتتلوا، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المرء يبتغى تأويله، وما يعلم تأويله إى الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب، وأن يزداد علمهم فيضيعوه ولا يسألوا عنه "
، والآية دليل على أنه لا واجب على الله، لأن الفعل الذى يجب على الفاعل لا يسمى هبة، وقدم لنا للتشويق إلى ما يذكر بعده قبل أن يذكر.
[3.9]
{ ربنآ إنك جامع الناس ليوم } في يوم، أو عند يوم، وحذف العلة أى للحساب، أو يقدر لحساب يوم، وذلك أن التعليل للفعل دون الذات، فلا يحسن كون ذات اليوم علة للجمع، أو اللام بمعنى إلى، أى جامع الناس في قبورهم إلى يوم، وهذا أولى، لأن من الناس من لا يحاسب، وفى غير هذا الوجه اعتبر من يحاسب لأن المعتبر للخائفين من الله عز وجل { لا ريب فيه } فى وقوعه والجزاء فيه لا يستحق الريب، ولو كثر المرتابون في ذاته، وهم من أنكر البعث من المشركين، والمرتابون في صفته، وهم النصارى القائلون بالبعث، وبأن المبعوث الأرواح دون الأجساد وهم مشركون، وذلك مساو لإنكار ذاته، أو لا ريب فيه، لأن الريب فيه كلا ريب، لصحة الحجج عليه وكثرتها وقوتها { إن الله لا يخلف الميعاد } مفعال من الوعد المطلق في الخير والشر، قلبت ياء للكسر قبلها، وخلف الوعد نقص مناف للكمال الذى هو مقتضى الألوهية، ولن يخلف الله وعده، فلا بد من ذلك اليوم، وللتأكيد، وضع لفظ الجلالة ظاهرا مع أن الموضع موضع إنك، سواء أقلنا باشتقاقه وتغلب الاسمية وملاحظة معنى الاشتقاق أم لا، وخلف الوعد خيرا أو شرا نقص، لأنه إما عن كذب، أو ظهور أمر يستحق الخلف لأجله، قد خفى قبل، أو حدوث أمر كذلك، والله منزه عن الكذب وجهل الحال والعاقبة، وخلف الوعيد، ولو كان مدحا لمخلوق لكن ناسبه،لأنه له البدوات كرقة القلب بعد غلظته، وخوف انقلاب الغلبة إلى الذلة، وكل حجة للأشعرية ككون ترك حق النفس مما يمدح به بتطل عند كل عاقل في هذا، ووعد في الخير والشر، وأوعد في الشر، لا كما قيل وعد في الخير فقط لكثرته في القرآن على العموم، فلا نحتاج إلى تأويله بالتهكم، أو به وبالمشاكلة في الشر مثل قوله تعالى:
قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا...
[الأعراف: 44] الخ.
Неизвестная страница