أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ١.
وعبادته هي طاعته بفعل المأمور، وترك المحظور، وذلك هو حقيقة دين الإسلام، لأن معنى الإسلام هو: الاستسلام لله المتضمن غاية الانقياد، في غاية الذل والخضوع.
قال علي بن أبي طالب ﵁ في الآية: إلا لآمُرَهم أن يعبدوني، وأدعوهم إلى عبادتي.
وقال مجاهد: إلا لآمُرَهم وأنْهاهم، واختاره الزجاج وشيخ الإسلام. قال: ويدل على هذا قوله: ﴿أَيَحْسَبُ الأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ ٢. قال الشافعي: لايؤمر ولا ينهى.
وقوله: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ﴾ ٣، أي: لولا عبادتكم إياه.
وقد قال في القرآن في غير موضع: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾، ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾، فقد أمرهم بما خلقوا له، وأرسل الرسل إلى الجن والإنس بذلك، وهذا المعنى هو الذي قصد الآية قطعًا، وهو الذي يفهمه جماهير المسلمين، ويحتجون بالآية عليه، ويقرون أن الله إنما خلقهم ليعبدوه العبادة الشرعية - وهي طاعته وطاعة رسله ـ، لا ليضيعوا حقه الذي خلقهم له.
قال: وهذه الآية تشبه قوله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ ٤. وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ٥. ثم قد يطاع وقد يعصى. وكذلك ما خلقهم إلا للعبادة، ثم قد يعبدون وقد لا يعبدون. وهو سبحانه لم يقل: إنه فعل الأول وهو خلقهم ليفعل بهم كلهم الثاني وهو عبادته، ولكن ذكر الأول ليفعلوا هم الثاني فيكونوا هم الفاعلين له، فيحصل لهم بفعله سعادتهم، ويحصل ما يحبه ويرضاه منهم ولهم. انتهى.
والآية دالة على وجوب اختصاص الخالق تعالى بالعبادة، لأنه سبحانه:
١- هو ابتدأك بخلقك والإنعام عليك بقدرته ومشيئته ورحمته من غير سبب منك أصلًا، وما فعله بك لا يقدر عليه غيره، ثم إذا احتجت إليه في جلب رزق أو دفع ضر، فهو الذي يأتي بالرزق لا يأتي به غيره، وهو الذي يدفع الضر لا يدفعه غيره.
كما قال تعالى: ﴿أَمَّنْ
_________
١ سورة الأنعام آية: ١٤.
٢ سورة القيامة آية: ٣٦.
٣ سورة الفرقان آية: ٧٧.
٤ سورة البقرة آية: ١٨٥.
٥ سورة النساء آية: ٦٤.
1 / 30