Эпоха единства: История арабской нации (Том четвертый)
عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
Жанры
فرجع إلى علي فاشلا.
18
وإذا أردنا أن نعقب على مقتل عثمان، فلا بد لنا من استفظاع هذا الحادث؛ لأن قتل خليفة شيخ بهذا الشكل هو حادث إجرامي فظيع، كان على أهل المدينة أن يمنعوا وقوعه، وإن فتورهم في الدفاع عن الخليفة المحصور لفتور مخز يدل على تفسخ. ومهما كانت المسوغات للثورة على عثمان، فإن عقلاء المدينة ورجالاتها كانوا يستطيعون تلافي الأمر، ولكنهم تواكلوا وتخاذلوا؛ فإن الثوار حين قدموا إلى المدينة - وكان أكثرهم من عرب مصر - ورفعوا شكواهم إلى الخليفة لسوء تصرفه وفساد عماله، فوعدهم بأن يزيل أسباب الشكوى، وبينما هم عائدون إلى بلادهم، إذ يرجعون إلى المدينة ومعهم كتاب عثروا عليه، وفيه يطلب الخليفة من عامله على مصر أن يفتك بهم، فأنكر الخليفة ذلك الكتاب، ثم تبين أن الذي كتبه هو مروان بن الحكم كاتب الخليفة. فاشتط الثوار على عثمان في القول، وقالوا له: إن كان كاتبك يكتب باسمك وأنت لا تدري، فأنت لست بخليفة، ولا أهل لها. ثم طالبوه أن يخلع نفسه فأبى، وقال: لا أنزع سربالا سربلنيه الله. وقد أخطأ عثمان في قوله، فقد كان ينبغي عليه أن يتخلى ويترك الأمر للمسلمين، ولكن تقاعس أهل المدينة وتشتت رأيهم جعل الخليفة يقف هذا الموقف. ثم تطور الأمر إلى قتله بيد كنانة بن بشر التجيبي اليمني في 18 ذي الحجة سنة 35. ولا شك كان قتله حادثا فظيعا جعل المسلمين ينقسمون معه وعليه، كما أن أهله وقبيلته من بني أمية ستطالب بدمه، وستعمل على الانتقام من قتلته، ومن أهل المدينة الذين أسلموه.
والحق أن كثيرا من أهل المدينة قد تواكلوا في الدفاع عن عثمان، وفي الدخول في الفتنة بين عثمان والثوار، وخصوصا حين رأوا الثوار الذين قتلوا عثمان - وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ - يلحون في تولية علي قسرا، ولم يكن في المدينة يومئذ من كبار الصحابة كثيرون، فقد ذهبوا في الفتوح إلى الأمصار، وكان أجل الصحابة الموجودين في المدينة طلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وهم مترددون في توليته؛ وحسان بن ثابت، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد الخدري، والمغيرة بن شعبة وهم ميالون إلى بني أمية؛ ولذلك لم يكن انتخاب علي انتخابا إجماعيا ولكنها بيعة تمت بالغلبة.
ثم كانت معركة الجمل، وخروج علي إلى البصرة لقتال عائشة، وطلحة والزبير، اللذين نقضا بيعتهما وادعيا أنهما بايعاه مكرهين، ولعب كثير من المنافقين والسبئية في إشعال روح الفتنة والفرقة بين الجانبين، فوقع القتال بينهما، وانتهت المعركة بفوز علي، وتسيير عائشة إلى الحجاز، والسيطرة على البصرة، وقد ولاها الإمام عبد الله بن عباس، وضم إليه فتى ناشئا ذا مواهب عظيمة، انضم إليه هو زياد ابن أبيه، وقد انتهز معاوية تلك الفرصة؛ لتثبيت أمره في الشام، والمناداة بنفسه أميرا للمؤمنين.
19
ولما انتهت معركة الجمل بفوز علي لم يبق أمامه سوى معاوية، وبذلك انشطر المسلمون شطرين: (1)
العثمانيون: وعلى رأسهم معاوية وبنو أمية وأنصارهم. (2)
والعلويون: وعلى رأسهم علي وبنو هاشم. وقد صورت السيدة أم الخير بنت الحريش البارفية ما كان بين الشطرين المتناحرين في الخطبة التي ألقتها يوم صفين بقولها: «يا أيها الناس اتقوا ربكم، إن زلزلة الساعة شيء عظيم، إن الله قد أوضح الحق وأقام به الدليل ... أفرارا عن أمير المؤمنين؟ أم فرارا عن الزحف؟ أورغبة عن الإسلام؟ أم ارتدادا عن الحق؟ قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرغبة، وبيدك يا ربي أزمة القلوب، فاجمع الكلمة على التقوى، وألف القلوب على الهدى. هلموا - رحمكم الله - إلى الإمام العادل، والوصي الوفي، والصديق الأكبر، إنها إحن بدرية ، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية، وثب بها معاوية ليدرك بها ثارات بني عبد شمس، والله أيها الناس لولا أن تبطل الحقوق، وتعطل الحدود، ويظهر الظالمون، وتقوى كلمة الشيطان، لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه، فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله، وزوج ابنته، وأبي ابنيه، خلق من طينته، وتفرع عن نبعته، وخصه بسره، وجعله باب مدينته، وأعلم بحبه المسلمين، وأبان ببغضه المنشقين، قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وفرق جمع هوازن، فيا لها وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقا وردة وشقاقا.»
ولما انتصر الإمام علي في معركة الجمل بعث جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى بيعته، ومعه كتاب يعلمه فيه بإجماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ونكث طلحة والزبير، وما كان من أمرهما يوم الجمل، فأخذ معاوية الكتاب، وماطل جريرا في الجواب، وكتب إلى عمرو بن العاص كتابا صورته: «أما بعد، فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، فقد قدم علي جرير بن عبد الله في بيعة علي، وحبست نفسي عليك حتى تأتيني، فاقدم على بركة الله.»
Неизвестная страница