Эпоха единства: История арабской нации (Том четвертый)
عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
Жанры
القسم الأول: البيت الأموي في المشرق
في العهد الأموي الأول
1 - معاوية بن أبي سفيان
2 - يزيد بن معاوية
3 - عهد معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم
4 - عبد الله بن الزبير
5 - في التنظيمات والتراتيب الإدارية
6 - في الحركات القلمية والعقلية
7 - في كبار الرجال في هذا العهد
في العهد الأموي الثاني
Неизвестная страница
1 - عبد الملك بن مروان
2 - الوليد بن عبد الملك
3 - سليمان بن عبد الملك
4 - عمر بن عبد العزيز
5 - يزيد بن عبد الملك
6 - هشام بن عبد الملك
7 - الوليد بن يزيد بن عبد الملك
8 - يزيد بن الوليد
9 - خلافة إبراهيم بن الوليد
10 - مروان بن محمد
Неизвестная страница
11 - أسباب سقوط الدولة
12 - في التنظيمات والتراتيب الإدارية
13 - الحركات العلمية والعقلية
القسم الثاني: البيت الأموي في المغرب والأندلس
توطئة
1 - فتح الأندلس1
2 - الدولة الأموية في الأندلس
3 - الدولة الأموية في الأندلس
4 - فترة الطوائف
5 - الحضارة الأندلسية والحركات العلمية
Неизвестная страница
القسم الأول: البيت الأموي في المشرق
في العهد الأموي الأول
1 - معاوية بن أبي سفيان
2 - يزيد بن معاوية
3 - عهد معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم
4 - عبد الله بن الزبير
5 - في التنظيمات والتراتيب الإدارية
6 - في الحركات القلمية والعقلية
7 - في كبار الرجال في هذا العهد
في العهد الأموي الثاني
Неизвестная страница
1 - عبد الملك بن مروان
2 - الوليد بن عبد الملك
3 - سليمان بن عبد الملك
4 - عمر بن عبد العزيز
5 - يزيد بن عبد الملك
6 - هشام بن عبد الملك
7 - الوليد بن يزيد بن عبد الملك
8 - يزيد بن الوليد
9 - خلافة إبراهيم بن الوليد
10 - مروان بن محمد
Неизвестная страница
11 - أسباب سقوط الدولة
12 - في التنظيمات والتراتيب الإدارية
13 - الحركات العلمية والعقلية
القسم الثاني: البيت الأموي في المغرب والأندلس
توطئة
1 - فتح الأندلس1
2 - الدولة الأموية في الأندلس
3 - الدولة الأموية في الأندلس
4 - فترة الطوائف
5 - الحضارة الأندلسية والحركات العلمية
Неизвестная страница
عصر الاتساق
عصر الاتساق
تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
تأليف
محمد أسعد طلس
تاريخ بني أمية
في المشرق من سنة 40ه إلى سنة 132ه
وفي المغرب من سنة 138ه إلى سنة 422ه
مع موجز تاريخ الأندلس إلى حين سقوطها
سنة 897ه.
Неизвестная страница
القسم الأول: البيت الأموي في المشرق
في العهد الأموي الأول
الفصل الأول
معاوية بن أبي سفيان
40-60ه/660-680م (1) مقدمة : نهاية عهد الراشدين وبداية عهد الأمويين
اجتمع ثلاثة من متحمسي الخوارج في سنة 40ه، وهم: عبد الرحمن بن عمرو بن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله، وعمرو بن بكر التميمي، فتذاكروا أمر المسلمين، والفتن
1
التي حصلت بينهم، وما صاروا إليه، وتقاسموا على قتل «أئمة الضلالة»:
2
علي، ومعاوية، وعمرو بن العاص. واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان، وذهب كل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه.
Неизвестная страница
أما ابن ملجم فقدم الكوفة، واتفق مع شبيب بن بجرة الأشجعي على قتل علي في ليلة الجمعة، حين يخرج إلى المسجد لصلاة الغداة (الفجر). فلما كانت ليلة الجمعة وخرج علي لصلاته، وجعل ينادي الناس: الصلاة. فاغتاله ابن ملجم، وهو يقول: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك. فنادى علي: لا يفوتنكم الرجل. وشد الناس عليه فلم يفلت، وأدخل على علي، فقال: النفس النفس، إن أنا مت فاقتلوه، وإن بقيت رأيت فيه رأيي. وبقي علي إلى يوم الأحد، ولما استراح من وجعه، سأله جندب بن عبد الله، فقال: إن فقدناك - ولا نفقدك - فنبايع الحسن؟ فقال: ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر. ثم دعا الحسن والحسين، وأوصاهما بتقوى الله وألا يبغيا الدنيا، ولا يبكيا على شيء زوي عنهما، وأن يقولا الحق ويرحما اليتيم، ويغيثا الملهوف، ويصنعا للآخرة، ويكونا للظالم خصما، وللمظلوم ناصرا، ويعملا بما في كتاب الله، ولا يأخذهما في الله لومة لائم.
ولما لقي ربه بايعه الناس، وكان أول من بايعه قيس بن سعد بن عبادة، قال له: ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه، وقتال المخلين. فقال الحسن: على كتاب الله وسنة نبيه، فإن ذلك يأتي من وراء كل شرط. ثم خرج إلى المدائن، وبعث قيس بن سعد في اثني عشر ألفا، وأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل في مسكن.
3
ولم يلبث الحسن أن يصل إلى المدائن، حتى نادى مناد أن قيس بن سعد قد قتل. فنفر الناس، ونهبوا سرادق الحسن، حتى نازعوه بساطا كان تحته، وخرج الحسن حتى لجأ إلى المقصورة البيضاء في المدائن، ثم بعث إلى معاوية يطلب الصلح، فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر، وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب، فأعطياه ما أراد، وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف وأشياء أخرى اشترطها.
4
وكان الحسن كارها لذلك كله، ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس، وكان ذلك لخمس بقين من ربيع الأول سنة 41ه بمحضر الحسنين اللذين غادرا الكوفة إلى المدينة. ولم يلبث الحسن أكثر من شهرين حتى مات.
وأخذ معاوية يرتب أمور العراق، فولى البصرة عبد الله بن عامر، وطلب إليه أن يستمر في حرب سجستان وخراسان، وقفل هو إلى الشام، فغزا بلاد الروم وهزمهم، وقتل جماعة من بطاركتهم.
5
واستقرت له الأمور. (2) خلافة معاوية 40-60ه/660-680م
هو أبو عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان أمية من سادات قريش وتجارها، كثير المال والجاه، وكان ابن حرب قائد قريش يوم الفجار، وكان أبو سفيان من أشياخ مكة، أسلم في السنة التي فتح فيها الرسول مكة، قائد حروب قريش ضد النبي، وهو صاحب العير التي قدمت من الشام إلى مكة، والتي من أجلها وقعت غزوة بدر الكبرى، وكان التنافس بين هاشم بن عبد مناف، وأخيه عبد شمس بن عبد مناف قديما منذ الجاهلية، ولهذا لا عجب أن استمر هذا التنافس بينهما في الإسلام.
Неизвестная страница
ولد معاوية بمكة قبل الهجرة بخمس عشرة سنة، فنشأ نشأة فتيان قريش، وكان كاتبا مجيدا وفصيحا، جوادا وعاقلا حكيما، وحليما وقورا.
6
قال قبيعة بن جابر الأسدي: صحبت عمر بن الخطاب، فما رأيت رجلا أفقه فقها، ولا أحسن مدارسة منه، ثم صحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت رجلا أعطى للجزيل من غير مسألة منه، ثم صحبت معاوية، فما رأيت رجلا أحب رفيقا ولا أشبه سريرة بعلانية منه.
7
أسلم يوم الفتح سنة 8ه هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هند، وله من العمر 23 سنة فاتخذه الرسول كاتبا، وقال المدائني: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، وكان معاوية يكتب للنبي فيما بينه وبين العرب.
8
ولما بعث أبو بكر الجيوش الأربعة
9
إلى الشام ولى أحدها يزيد بن أبي سفيان، كان معاوية في ذلك الجيش. وفي عهد عمر أقر يزيد في قيادته. ولما اجتمعت الجيوش الأربعة في اليرموك بقيادة خالد جعل أبا عبيدة في القلب، وعلى الميمنة عمرو بن العاص، وعلى الميسرة يزيد، فظفر المسلمون ثم حاصروا دمشق وفتحوها سنة 13ه، واتجهوا إلى «إيليا» القدس فحاصروها، وقدم عمر ففتحت على يديه في سنة 16ه، وعهد عمر بإمارة دمشق إلى يزيد بن أبي سفيان لما أبلاه في الفتح. ولما صار يزيد إلى دمشق ولى أخاه معاوية غزو قيسارية، ففتحها في شوال سنة 19ه. ولما مات يزيد في ذي الحجة سنة 19ه، وكان مستخلفا أخاه معاوية على دمشق، فأقره عمر على ذلك، وجعل له ألف دينار في الشهر.
10
Неизвестная страница
وكان عمر يحبه ويعجب بإدارته وحكومته. وروى ابن عبد البر أن عمر لما دخل الشام ورأى معاوية قال: هذا كسرى العرب. وكان قد تلقاه معاوية في موكب عظيم، فلما دنا منه قال له: أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين.
قال: مع ما بلغني من وقوف ذوي الحاجات ببابك؟!
قال: مع ما يبلغك من ذلك.
قال: ولم تفعل هذا؟
قال: نحن بأرض جواسيس العدو بها كثيرة، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما نرهبهم به، فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت. فقال عمر لمعاوية: ما أسألك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الفرس، إن كان ما قلت حقا إنه لرأي أريب، وإن كان باطلا إنه لخدعة أديب.
قال: فمرني يا أمير المؤمنين.
قال: لا آمرك ولا أنهاك.
فقال عمرو: يا أمير المؤمنين ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته.
قال: لحسن مصادره وموارده جشمناه ما جشمناه.
11
Неизвестная страница
ومات عمر ومعاوية أمير على البلقاء، والأردن، وفلسطين، والسواحل، وأنطاكية ومعرة مصرين، وقليقية، ودمشق.
12
ولما مات عمر واستخلف عثمان، أقر معاوية على عمله وولاه الشام كله.
وفي سنة 27 أو 28ه غزا معاوية قبرص، وهو أول غزو للروم
13
ورجع عنها صلحا.
وفي سنة «30ه» أجلى معاوية أبا ذر عن الشام إلى المدينة؛ وسبب ذلك أن أبا ذر انتقد إدارة معاوية، واحتجازه الأموال دون المسلمين، فأخذ يثير الناس عليه، فكتب معاوية إلى عثمان يخبره، فكتب إليه: جهز أبا ذر وابعث معه دليلا، وزوده وارفق به، وكفكف الناس ونفسك ما استطعت. فبعث بأبي ذر، فلما أتى عثمان قال له: يا أبا ذر ما لأهل الشام يشكون ذرا؟
فأخبره أنه لا ينبغي أن يقال «مال الله»، ولا ينبغي للأغنياء أن يقتنوا مالا، فقال: يا أبا ذر علي أن أقضي ما علي، وآخذ ما على الرعية، ولا أجبرهم على الزهد، وأن أدعوهم إلى الاجتهاد والاقتصاد.
قال: أفتأذن لي بالخروج، فإن المدينة ليست لي بدار، فأذن له فخرج إلى الربذة، فخط بها مسجدا، وأقطعه عثمان صرمة من الإبل، وأعطاه مملوكين وأرسل إليه أن تعاهد المدينة حتى لا ترتد أعرابيا.
14
Неизвестная страница
وإنما قام أبو ذر بحركته متأثرا بتحريض عبد الله بن سبأ، وهو يهودي يمني أظهر الإسلام، وأخذ يتنقل في الحجاز والعراق ومصر والشام، ويعمل على إفساد أمر الإسلام. وقد استمر أبو ذر في تحريض الناس على عثمان إلى أن وقعت الفتنة التي ذهب عثمان ضحيتها.
15
وفي سنة 31 خرج أهل الشام، وعليهم معاوية، وعلى البحر عبد الله بن سعيد، وخرج عامئذ قسطنطين بن هرقل لما أصاب المسلمون منهم بإفريقية في جمع لم يجتمع مثله قط مذ كان الإسلام، فخرجوا في خمسمائة مركب، فربط المسلمون سفنهم بعضها إلى بعض، حتى كان يضرب بعضهم بعضا على سفن المسلمين وسفن الروم، وقاتلوهم أشد قتال، ووثبت الرجال على الرجال يضطربون بالسيف على السفن ويتواجئون بالخناجر، حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاما، ثم انتصر المسلمون وانهزم قسطنطين مدبرا، فما انكشف إلا لما به من القتل والجرح.
وفي سنة 32ه غزا معاوية الروم بحرا، بلغ مضيق القسطنطينية ورجع عنها.
16
ولما قتل عثمان في 18 ذي الحجة سنة 35ه، وبايع الناس عليا امتنع معاوية من مبايعته، فقد كتبت نائلة امرأة عثمان إلى معاوية كتابا، تخبره فيه في أمر عثمان ومقتله، وتعلمه أن أهل مصر أسندوا أمرهم إلى علي وابن أبي بكر وعمار، فأمروهم بقتله، وبعثت بقميصه إليه، فثار أهل الشام وقالوا: والله لنقتلن عليا.
17
ثم إن عليا ولى على الشام سهل بن حنيف، وسار سهل إلى الشام، فلقيته عند تبوك خيل أهل الشام، فقالوا: من أنت؟ قال: أمير. قالوا: على أي شيء؟ قال: على الشام. قالوا: إن كان بعثك عثمان فأهلا بك، وإن كان بعثك غيره فارجع.
قال: أوما سمعتم بالذي كان؟
قالوا: بلى.
Неизвестная страница
فرجع إلى علي فاشلا.
18
وإذا أردنا أن نعقب على مقتل عثمان، فلا بد لنا من استفظاع هذا الحادث؛ لأن قتل خليفة شيخ بهذا الشكل هو حادث إجرامي فظيع، كان على أهل المدينة أن يمنعوا وقوعه، وإن فتورهم في الدفاع عن الخليفة المحصور لفتور مخز يدل على تفسخ. ومهما كانت المسوغات للثورة على عثمان، فإن عقلاء المدينة ورجالاتها كانوا يستطيعون تلافي الأمر، ولكنهم تواكلوا وتخاذلوا؛ فإن الثوار حين قدموا إلى المدينة - وكان أكثرهم من عرب مصر - ورفعوا شكواهم إلى الخليفة لسوء تصرفه وفساد عماله، فوعدهم بأن يزيل أسباب الشكوى، وبينما هم عائدون إلى بلادهم، إذ يرجعون إلى المدينة ومعهم كتاب عثروا عليه، وفيه يطلب الخليفة من عامله على مصر أن يفتك بهم، فأنكر الخليفة ذلك الكتاب، ثم تبين أن الذي كتبه هو مروان بن الحكم كاتب الخليفة. فاشتط الثوار على عثمان في القول، وقالوا له: إن كان كاتبك يكتب باسمك وأنت لا تدري، فأنت لست بخليفة، ولا أهل لها. ثم طالبوه أن يخلع نفسه فأبى، وقال: لا أنزع سربالا سربلنيه الله. وقد أخطأ عثمان في قوله، فقد كان ينبغي عليه أن يتخلى ويترك الأمر للمسلمين، ولكن تقاعس أهل المدينة وتشتت رأيهم جعل الخليفة يقف هذا الموقف. ثم تطور الأمر إلى قتله بيد كنانة بن بشر التجيبي اليمني في 18 ذي الحجة سنة 35. ولا شك كان قتله حادثا فظيعا جعل المسلمين ينقسمون معه وعليه، كما أن أهله وقبيلته من بني أمية ستطالب بدمه، وستعمل على الانتقام من قتلته، ومن أهل المدينة الذين أسلموه.
والحق أن كثيرا من أهل المدينة قد تواكلوا في الدفاع عن عثمان، وفي الدخول في الفتنة بين عثمان والثوار، وخصوصا حين رأوا الثوار الذين قتلوا عثمان - وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ - يلحون في تولية علي قسرا، ولم يكن في المدينة يومئذ من كبار الصحابة كثيرون، فقد ذهبوا في الفتوح إلى الأمصار، وكان أجل الصحابة الموجودين في المدينة طلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وهم مترددون في توليته؛ وحسان بن ثابت، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد الخدري، والمغيرة بن شعبة وهم ميالون إلى بني أمية؛ ولذلك لم يكن انتخاب علي انتخابا إجماعيا ولكنها بيعة تمت بالغلبة.
ثم كانت معركة الجمل، وخروج علي إلى البصرة لقتال عائشة، وطلحة والزبير، اللذين نقضا بيعتهما وادعيا أنهما بايعاه مكرهين، ولعب كثير من المنافقين والسبئية في إشعال روح الفتنة والفرقة بين الجانبين، فوقع القتال بينهما، وانتهت المعركة بفوز علي، وتسيير عائشة إلى الحجاز، والسيطرة على البصرة، وقد ولاها الإمام عبد الله بن عباس، وضم إليه فتى ناشئا ذا مواهب عظيمة، انضم إليه هو زياد ابن أبيه، وقد انتهز معاوية تلك الفرصة؛ لتثبيت أمره في الشام، والمناداة بنفسه أميرا للمؤمنين.
19
ولما انتهت معركة الجمل بفوز علي لم يبق أمامه سوى معاوية، وبذلك انشطر المسلمون شطرين: (1)
العثمانيون: وعلى رأسهم معاوية وبنو أمية وأنصارهم. (2)
والعلويون: وعلى رأسهم علي وبنو هاشم. وقد صورت السيدة أم الخير بنت الحريش البارفية ما كان بين الشطرين المتناحرين في الخطبة التي ألقتها يوم صفين بقولها: «يا أيها الناس اتقوا ربكم، إن زلزلة الساعة شيء عظيم، إن الله قد أوضح الحق وأقام به الدليل ... أفرارا عن أمير المؤمنين؟ أم فرارا عن الزحف؟ أورغبة عن الإسلام؟ أم ارتدادا عن الحق؟ قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرغبة، وبيدك يا ربي أزمة القلوب، فاجمع الكلمة على التقوى، وألف القلوب على الهدى. هلموا - رحمكم الله - إلى الإمام العادل، والوصي الوفي، والصديق الأكبر، إنها إحن بدرية ، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية، وثب بها معاوية ليدرك بها ثارات بني عبد شمس، والله أيها الناس لولا أن تبطل الحقوق، وتعطل الحدود، ويظهر الظالمون، وتقوى كلمة الشيطان، لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه، فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله، وزوج ابنته، وأبي ابنيه، خلق من طينته، وتفرع عن نبعته، وخصه بسره، وجعله باب مدينته، وأعلم بحبه المسلمين، وأبان ببغضه المنشقين، قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وفرق جمع هوازن، فيا لها وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقا وردة وشقاقا.»
ولما انتصر الإمام علي في معركة الجمل بعث جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى بيعته، ومعه كتاب يعلمه فيه بإجماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ونكث طلحة والزبير، وما كان من أمرهما يوم الجمل، فأخذ معاوية الكتاب، وماطل جريرا في الجواب، وكتب إلى عمرو بن العاص كتابا صورته: «أما بعد، فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، فقد قدم علي جرير بن عبد الله في بيعة علي، وحبست نفسي عليك حتى تأتيني، فاقدم على بركة الله.»
Неизвестная страница
20
ولما قدم عمرو أشار على معاوية أن يلزم عليا بدم عثمان، وأن يسلم إليه قتلة عثمان، وأن يحاربه بجند الشام إن أبى.
21
ورجع جرير إلى علي وأخبره خبر معاوية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن معاوية كان بين شقي رحى الروم في الشمال يهددونه، والمصريون في الجنوب قد بايعوا عليا، وقد استطاع معاوية بدهائه أن يخرج من هذا المأزق، فصالح الروم وتعهد لهم بدفع مال يؤديه إليهم لقاء عدم مهاجمتهم، ومصر التي كان عليها شاب غير مجرب اسمه محمد بن أبي حذيفة، استطاع أن يفتك به بمعاونة عمرو بن العاص، وهكذا تمكن معاوية من أن يسير إلى علي وهو مطمئن البال على بلاد الشام.
سار علي من الكوفة إلى صفين في تسعين ألفا لخمس بقين من شوال سنة 36، وسار معاوية من الشام في «85 ألفا» والتقوا عند صفين. قال ابن سعد: «اقتتل الناس بصفين قتالا شديدا ، لم يكن في هذه الأمة مثله قط، حتى كره أهل الشام وأهل العراق القتال، وملوه من طول تباذلهم السيف.»
وتراسل الطرفان فاتفقا على الموادعة إلى آخر المحرم سنة 37. ومن يقرأ ما أورده الطبري، يحكم بأن عدم انتهاء الطرفين إلى نتيجة طيبة راجع إلى فساد الرسل وطيشهم. وفي أول صفر سنة 37 عاد القتال بين الطرفين، وكادت الدائرة تدور على معاوية وجماعته، وقال لعمرو بن العاص: هلم مخبآتك يا ابن العاص فقد هلكنا، واستطاع عمرو بدهائه أن يفرق بين جند علي، فانقسموا على أنفسهم حين قال عمرو لجنوده: أيها الناس من كان معه مصحف فليرفعه على رمحه، فرفعوا المصاحف، وقال قائلهم: هذا كتاب الله - عز وجل - بيننا وبينكم، فلما رأى أهل العراق المصاحف مرفوعة قالوا: نجيب إلى كتاب الله.
22
وقد أراد عمرو أن يحول دون العراقيين والنصر، فكان له ما أراد، وعبثا حاول علي أن يحول دون ذلك، ثم كان من أمر التحكيم ما كان، واتفق الطرفان على خلع صاحبيهما، وخلع أبو موسى صاحبه عليا، وجعل الأمر شورى بين المسلمين، ولم يفعل ذلك عمرو بن العاص لصاحبه معاوية، بل قال: إنه يقر أبا موسى على قوله، أما هو فلا يخلع صاحبه، فثارت الخوارج، وكان من الخوارج ما كان، إلى أن انتهى الأمر بقتل الإمام علي كما مر وتولية الحسن. (3) عام الجماعة
لما قتل الإمام علي وبايع الناس ابنه الحسن، رأى أنه لا يستطيع الوقوف أمام معاوية؛ لخذل العراقيين إياه وقوة الأمويين، فتنازل عن الخلافة وفقا للشروط الآتية: أن يكون له ما في بيت مال الكوفة، وهو نصف مليون دينار، وأن يكون له خراج دارابجرد.
Неизвестная страница
23
وأن يكون الأمر بعد وفاة معاوية شورى بين المسلمين يولون عليهم من أحبوا. وهكذا صار معاوية صاحب السلطان في الأقاليم الإسلامية كلها. ودخل معاوية الكوفة في جمادى الأولى سنة 41ه، فبايعه الناس بمحضر الحسن والحسين، ثم خرجا إلى المدينة.
24
واتفقت كلمة جمهور المسلمين، فسمي ذلك اليوم عام الجماعة.
25
أما الحسن فإنه لم يلبث طويلا في المدينة حتى مات بعد نحو شهرين من وصوله إليها.
26
ومنذ سنة 42ه استقرت الأمور لمعاوية في كافة أرجاء العالم الإسلامي، ولم يكن له خصوم سوى العلويين، وكانوا متفرقين في الحجاز والعراق ومصر، وسوى الخوارج الذين كانوا يكرهون الأمويين والعلويين معا. ويرونهم مارقين من الدين.
أما العلويون فقد كانت الكوفة أكبر مراكزهم في العراق، ولكن تنازل الحسن لمعاوية جعلهم يتخاذلون، ولكن السياسة التي سار عليها معاوية في سب علي والتشهير به على المنابر جعلتهم يتحمسون؛ فقد روى الطبري أن معاوية ولى المغيرة بن شعبة على الكوفة، وأمره بلعن علي، فأخذ هذا يلعن عليا كلما قام خطيبا، وبينما هو كان يخطب مرة سب عليا ومدح عثمان، فقام إليه حجر بن عدي وقال له: إن من تذمون وتعيرون لأحق بالفضل، وإن من تزكون وتطرون أولى بالذم.
27
Неизвестная страница
فقال له المغيرة: «ويحك اتق السلطان وغضبه وسطوته، فإن غضب السلطان أحيانا مما يهلك أمثالك.» وظل حجر على عدائه حتى مات المغيرة، وولي الكوفة بعده زياد ابن أبيه، فاتبع طريقة من كان قبله، فضاقت الشيعة ذرعا وأخذوا يتشاورون في الأمر، واتفقوا على أن يسبوا معاوية في المجتمعات العامة، إلى أن يكف الأمويون عن سب علي، فلما بلغت هذه الأخبار زيادا، وكان يقيم بالبصرة، فقدم الكوفة واستدعى حجرا فهدده، ثم بعث به وبجماعة آخرين إلى معاوية، فقتل منهم ثمانية، وأخذ زياد ومعاوية يضيقون على الشيعة حتى صار الناس يكتمون تشيعهم، وركدت الحركة العلوية إلى حين.
وأما الخوارج
28
وهم في الأصل جماعة من الشيعة انشقوا عن إخوانهم وشتموهم وضربوهم لما قبلوا بالتحكيم، وقالوا لهم: يا أعداء الله أوهنتم في أمر الله - عز وجل - وحكمتم الناس في دين الله، ولما دخل علي الكوفة لم يدخلوا معه، وذهبوا حتى أتوا حروراء، فنزل منهم فيها اثنا عشر ألفا، وأمروا عليهم للقتال شبث بن ربعي، وللصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري، وقالوا: إن الأمر شورى والبيعة لله - عز وجل - ولا حكم إلا لله، فبعث إليهم الإمام من ينصحهم فلم يقولوا قوله وسفهوا أمراءه، وسار إليهم فلقيهم على النهروان ، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وهرب قسم منهم فتسللوا إلى الكوفة، وقسم تفرق في الأمصار وكان ذلك سنة 38ه، ولما قتل علي وأفلت معاوية منهم عزم على أن يطهر البلاد منهم، وكان زعيمهم في هذا الوقت فروة بن نوفل الأشجعي، وهو ممن اعتزل عليا وأقام في شهرزور، فلما بايع الحسن معاوية قال لأصحابه: سيروا إلى معاوية، فخرجوا إليه، وكان في الكوفة يومئذ لم يبرحها إلى الشام، فقال للكوفيين: لا أمان لكم عندي والله حتى تكفوا بوائقكم وتقاتلوهم، فخرج أهل الكوفة إلى الخوارج يقاتلونهم، فقال لهم الخوارج: ويحكم، ما تبغون؟ أليس معاوية عدونا وعدوكم؟ دعونا نقاتله فإن أصبناه كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا. فأبى أهل الكوفة إلا القتال حتى غلبوهم.
29
ثم تجمعوا ثانية بزعامة حيان بن ظبيان السلمي، والمستورد بن علقة التيمي وجرت لهم مع المغيرة بن شعبة معارك، ثم لما عزل المغيرة عن العراق وولى زياد ابن أبيه وأوصاه بالفتك بهم، فأخضعهم وجرت لهم مع زياد وقائع كثيرة سنبينها فيما بعد. (4) الفتوح في عهد معاوية
عني معاوية عناية شديدة بحرب الروم، ورأى أن خير وسيلة لحربهم هي في تجهيز أسطول بحري، فوجه همته إلى بناء عمارة بحرية ضخمة، بلغت فيما يقال 1700 سفينة، استطاع أن يفتتح قبرص ورودس وبعض جزائر بلاد يونان، كما أنه اهتم بالغزو البري لبلاد الروم، فرتب الشواتي والصوائف، وقد بلغه في سنة 41 وأمره لم يترتب بعد، أن الروم في عهد الإمبراطور كونستانس الثاني 642-668 يريدون الزحف على الشام في جموع جمة، فخاف أن يشغلوه عما يحتاج إلى ترتيبه، فوجه إليهم من صالحهم على مائة ألف دينار، وكان بذلك أول من صالح الروم على مال.
30
فلما استقام له الأمر ورتب شئون الدولة، انصرف إليهم ووجه همته إلى غزوهم سنة بعد سنة في الصوائف والشواتي، وطلب صاحب الروم الصلح فلم يجبه، واستطاع أن يفتتح جزائر أرواد وقبرص ورودس وغيرها، وبث فيها المسالح وجعلها مناظر للعرب.
وفي سنة 34 غزاهم غزوة سبى فيها منهم مائة ألف إنسان، وبعث أخاه على البحر فانهزم الروم أمامه. وكانت أعظم الغزوات التي قام بها في سنة 48 حينما جهز جيشا كبيرا برا وبحرا لفتح القسطنطينية، وكان على الجيش سفيان بن عوف، وفيه عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأبو أيوب الأنصاري، وابنه يزيد بن معاوية، ولما وصلوا القسطنطينية حاصروها مدة فلم يتمكنوا من الفتح، وأحرقت النار اليونانية سفن المسلمين، فتراجعوا بعد أن تركوا عددا من الشهداء منهم أبو أيوب، ولم يمت معاوية إلا وهو قد حصن ثغور الشام ومرافئه، وأقام دور الصناعة البحرية في صور وصيدا وعكا والإسكندرية؛ لصنع السفن والعدد الحربية البحرية، وقد حاصرت قوات المسلمين في عهد معاوية القسطنطينية ثلاث مرات، ولكنهم لم يتمكنوا من فتحها.
Неизвестная страница
31
أما في المشرق فقد طلب معاوية إلى أميره على بلاد السند أن يوغل في الفتح، فسار حتى بلغ بلاد «القيقان» فغنم ثم رجع، ولما عاد ثانية إلى ملك الديار قتل، كما طلب إلى المهلب بن أبي صفرة أن يتم فتح بلاد السند، فسار حتى وصل لاهور.
32
وولى سعيد بن عثمان بن عفان خراسان سيده للفتح بسمرقند، ففتح وغزا وأصيبت عينه هناك، وملك كثيرا من بلاد الصغد، ورجع غانما، ثم أعاد الكرة فقتل هناك.
33
وأما في الغرب فإنه أمر في سنة 50 عقبة بن نافع، الذي كان يرابط ببرقة وزويلة بعشرة آلاف جندي من أهل الشام لفتح إفريقيا (تونس)، فتم له فتحها، وأسلم على يديه كثيرون من البربر أدخلهم في جيشه، وحسن بلاؤهم، واستعان بهم في فتح السودان، وكان هؤلاء البربر نواة الجيوش الإسلامية التي تممت فتح شمال إفريقية والأندلس. وقد كان لعقبة بلاء عظيم في فتوح إفريقية ونشر الإسلام بين ربوعها، وهو الذي مصر مدينة القيروان؛ لتكون لهم معسكرا ولأهلهم مقرا.
وفي عهد معاوية ظهر الجراجمة (أو المردة)، كما يسميهم المؤرخون المسلمون، وهم سكان جبال لبنان، الذين تحصنوا في قللهم حينما فتح المسلمون ديار الشام، وتغلبوا على سهولها وسواحلها، ولم يستطيعوا الوصول إلى هؤلاء فتركوهم. قال المطران الدبس في تاريخ سورية: إن الخلفاء الراشدين صرفوا اهتمامهم، عند أخذ سورية وطردهم ملوك الروم منها، إلى فتح مدنها، ولم يكترثوا لسكان جبالها؛ لقلة أهميتها وعدم المنفعة منها، ولتعسر مسالكها، وإن ملوك الروم ما انقطعت مطامعهم في استردادها، وظلوا يوسوسون لسكانها؛ ليلبكوا أمرها، ولا تستقيم حالها؛ ليتيسر لهم العود إليها، كما حاولوا مرات فلم يظفروا؛ فمن ذلك أنهم وسوسوا للموارنة، وكانت مساكنهم في الجبال من جبال الجليل إلى جبال أنطاكية، فلبكوا حكومتهم وتوافرت غزواتهم في السهول، حتى اضطروا بعض الخلفاء أن يعقد صلحا مع ملوك الروم. ثم ينقل عن المؤرخ توافان أن المردة خرجوا من لبنان فضبطوا كل ما كان من الجبل الأسود (جبل الأقرع) إلى المدينة المقدسة، واستحوذوا على قمم لبنان، وانضم إليهم كثير من العبيد والأسرى والوطنيين، حتى أصبح عددهم ألوفا في مدة وجيزة، وسمع معاوية وأصحاب مشورته بذلك فخشوا جدا من عاقبته، وأرسلوا وفدا إلى قسطنطين يطلبون الصلح، ويعدون بوفاء جزية كل سنة، فتقبل الملك وفدهم بالإعزاز، وأوفد معهم إلى سورية البطريق يوحنا المسمى بتسيكود ... وقابله معاوية بالترحاب، وبعد المداولة بشروط الصلح قر رأيهم على كتابة عهدة موثقة باليمين، على أن يدفع العرب كل سنة إلى الرومانيين ثلاثة آلاف ذهب وثمانية آلاف أسير، وخمسين جوادا من الخيل الجياد، بين الرومانيين والعرب على هذه الشروط إلى ثلاثين سنة، ودونت العهدة ووقع على نسختين منها؛ لكل فريق نسخة، وعاد ذاك الرجل الشهير البطريق يوحنا إلى الملك بهدايا نفيسة جدا (ويظهر أن ما يذكره تيوفان هو ما فعله معاوية حين وقعت الفتنة بينه وبين علي، وإنما رضي بذلك لئلا يثير عليه هؤلاء بينما هو منصرف إلى محاربة علي). (5) الأمور الإدارية
أوليات معاوية في الإدارة
كان معاوية من دهاة الرجال ومؤسسي الممالك، بدرت منه بوادر النجابة وهو شاب؛ فقد روى ابن حجر عن المدائني قال: نظر أبو سفيان إلى معاوية وهو غلام فقال: إن ابني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه. فقالت هند: قومه فقط! ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة.
34
Неизвестная страница
وروى ابن عبد البر أن ابن عمر قال: ما رأيت أحدا بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أسود من معاوية، فقيل له: فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟ فقال: كانوا والله خير أمة، وكان معاوية أسود منهم. وقال ابن عبد البر: هو أول من اتخذ ديوان الخاتم، وأمر بهدايا النيروز والمهرجان، واتخذ المقاصير في الجوامع، وأول من أقام على رأسه حرسا، وأول من قيدت بين يديه الخبائب، وأول من اتخذ الخصيان في الإسلام، وكان يقول: أنا أول الملوك.
35
وقال السيوطي في الوسائل: إن مسلمة بن مخلد الأنصاري والي مصر سنة 44ه، أول من بنى المنائر للأذان بأمر معاوية، ولم تكن من قبل ذلك.
36
وأن أبا سعيد الخدري قال: كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا من أقط، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من شعير، فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية، فخطب على منبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ثم ذكر الزكاة فقال: إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر.
37
Неизвестная страница
وإن الحسن بن قاسم قال: أول من خطب بمكة على منبر معاوية بن أبي سفيان، قدم به من الشام سنة حج في خلافته، منبر صغير على ثلاث درجات، وكانت الخلفاء قبل ذلك يخطبون يوم الجمعة على أرجلهم، قياما في وجه الكعبة وفي الحجر.
38
وروى السيوطي عن ابن أبي شيبة أن معاوية هو أول الملوك، وأول من بايع لولده، وأول من عهد بالخلافة في صحته، وأول من وضع البريد في الإسلام، وأول من اتخذ الخصيان، وأول من اتخذ ديوان الخاتم، وأول من اتخذ صاحب حرس.
39
وروي عن مالك: أن معاوية أول من استقضى.
40
وقال ابن طباطبا: «إن معاوية كان مربي دول، وسائس أمم، وراعي ممالك، ابتكر في الدولة أشياء لم يسبقه إليها أحد، ومما اخترع من أمور الملك ديوان الخاتم، وهذا ديوان يعتبر من أكابر الدواوين، لم تزل السنة جارية به إلى أواسط دولة بني العباس فأسقط، ومعناه أن يكون ديوان، وبه نواب، فإذا صدر توقيع من الخليفة بأمر من الأمور أحضر التوقيع إلى ذلك الديوان، وأثبتت فيه نسخة وخزم بخيط، وختم بشمع، كما يفعل في هذا الزمان بكتب القضاة، وختم بخاتم صاحب ذلك الديوان، وكان معاوية معروف الهمة إلى تدبير أمر الدنيا، يهون عليه كل شيء إذا انتظم أمر الملك.»
41
ولاية العهد
أول من فكر في إسناد ولاية عهد معاوية إلى يزيد هو المغيرة بن شعبة؛ فهو الذي أدخل الفكرة في نفس يزيد، وجعله يطلبها من أبيه، فلما سمع معاوية قول يزيد سأله عمن أوحى إليه بها، فقال: هو المغيرة، فاستدعاه فسأله فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد منك خلف، فاعقد له، فإن حدث لك حادث كان كهفا للناس، وخلفا منك، ولا تسفك دماء، ولا تكون فتنة، قال: ومن لي بهذا؟ قال: أكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك.
Неизвестная страница