وفي العوجاء عدا هذا البئر 11 بئرا، وكلها مثلها مربعة الجوانب، ومطوية بالحجر المنحوت، ولكل بئر عند فمه عريشة وقناة ينقل الماء فيها إلى أحواض أو أراض زراعية بجانبها، مما يدل على أنهم كانوا يرفعون الماء من الآبار بما يشبه الساقية المصرية.
مدينة العوجاء :
أما المدينة فمبنية كلها بالحجر المنحوت، حتى السدود التي أقامها أهلها في الوادي لتوسيع الري قد بنيت بالحجر المنحوت، وبين خرائب المدينة المتسعة حجارة رخامية وحجارة عليها نقوش، وأشكال هندسية على أحسن هندام وأجمل وضع، مما دل على أن أهلها كانوا على جانب عظيم من التمدن والعمران.
جبانة العوجاء:
وأما جبانة المدينة ففي طرفها الشمالي الشرقي، ولما مررت بالعوجاء سنة 1906 رأيت في جبانتها كثيرا من الحجارة، منقوشا عليها باليوناني القديم أسماء المدفونين فيها وتاريخ وفاتهم، ولكن كان أكثر تلك الحجارة مكسرا ومبعثرا في أرض المقبرة، ولم يبق فيها منصوبا في مكانه إلا القليل، والنقش على الحجارة غائر غير بارز، وقد أتيت ببعضها إلى مصر، وأطلعت عليها بعض أدباء اليونان، فقرأ منها ثلاثة؛ على الحجر الأول: «إسطفان بتريك ذو الشعر الأصفر»، وعلى الحجر الثاني: «توفيت ماريا كونيرس»، وعلى الحجر الثالث: «صعد بمجد آمون».
كروم العوجاء:
ورأيت على التلال التي إلى الجنوب الغربي من تلة الكنيسة كوما من الحجارة على أبعاد متساوية جعلت صفوفا؛ مما دل على أنه كان هناك كروم متسعة من العنب، وقد حدثني كبير من بدو هذه الجهة، قال: من الأخبار التي أخذناها عن أسلافنا أن بلادنا هذه كانت مشهورة بخصب كرومها، وجودة عنبها، وكبر عناقيدها، حتى كان عنقودان منها يحملان حمارا! وقد جاء في التوراة في سفر العدد ص13: 23، مشيرا إلى الرسل الذين أرسلهم موسى إلى حبرون ليتجسسوا الأرض: «وأتوا إلى وادي أشكول، وقطفوا من هناك زرجونة بعنقود واحد من العنب، وحملوه بالدقرانة بين اثنين مع شيء من الرمان والتين.»
وذكر المقريزي العوجاء في جملة مدائن مدين فقال:
وكان بأرض مدين عدة مدائن كبيرة، قد باد أهلها وخربت، وبقي منها إلى يومنا هذا، وهو سنة 825ه/1422م نحو الأربعين مدينة قائمة، منها ما يعرف باسمه، ومنها ما قد جهل اسمه؛ فما يعرف اسمه فيما بين أرض الحجاز وبلاد فلسطين وديار مصر ستة عشر مدينة، منها في ناحية فلسطين عشر مدائن وهي: الخلصة، والسنيطة، والمدرة، والمنية، والأعوج، والخويرق، والبئرين ، والماءين، والسبع، والمعلق، وأعظم هذه المدائن العشر الخلصة والسنيطة (وتعرف الآن بالسبيطة)، وكثيرا ما تنقل حجارتها إلى غزة ويبنى بها هناك، ومن مدائن مدين بناحية القلزم والطور مدينة فاران، ومدينة الرقة، ومدينة القلزم، ومدينة أيلة، ومدينة مدين، وبمدينة مدين إلى الآن آثار عجيبة وعمد عظيمة، ووجد في مدينة الأعوج أعوام بضع وستين وسبعمائة ه/1359م جب بقلعتها بعيد المهوى، يبلغ عمقه نحو مائة ذراع، وبقاعه عدة أسفار على رفوف، حمل منها سفر طوله ذراعان وأزيد، قد غلف بلوحين من خشب، وكتابته بالقلم المسند، طول الألف واللام نحو شبر، فوجد ببلاد الكرك من قرأه، فإذا هو سفر من عشرة أسفار قد ابتدأه بحمد الله. ا.ه.
ومن فروع العوجاء: «وادي الحفير» يأتيه من المقراة، «ووادي بيرين» المشار إليه في كلام المقريزي، وفيه بئران شهيرتان للعزازمة، ومن ذلك اسمه، وبقرب البئرين بركة ماء من عهد الرومان، كالبركة التي عند عين القديرات، وهذه الأودية الثلاثة الأخيرة؛ أي العوجاء والحفير وبيرين قد دخلت في حد سوريا.
Неизвестная страница