История Наполеона Бонапарта
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Жанры
عزي إليه خطأ أنه كان في المدرسة ميالا إلى الوحدة والصمت، لا أصدقاء له ولا أنداد، ولا نصيب له من حب أحد لما اشتملت عليه نفسه من القساوة وخشونة الطبع، بل كان عذب الخلق، لين العريكة، أدعى إلى الحب بما تناهى إليه من الدماثة واللطف، ولم يطرأ بعض الانقلاب على طبعه إلا في عهد البلوغ فأصبح وهو كئيب النفس عبوس، هذا ما قاله عن نفسه في مذكراته التي كتبها وهو أسير في سنت هيلين.
وزعم أن ميله إلى العزلة ورغبته في الفن العسكري، تلك الرغبة التي نضجت قبل أوانها، إنما هما اللذان كانا يحببان إليه الاختلاء في حديقته التي كان يتحصن فيها ضد غارات رفاقه، إلا أن أحد هؤلاء الرفاق أخذ على نفسه تكذيب هذا الزعم فقال: «في شتاء سنة 1783-1784، الذي تراكم فيه الثلج على الطرق وفي باحات المدارس، جنح نابوليون عن تردده إلى الحدائق الصغيرة التي كان يستعذب فيها الخلوة والسكون، وأصبح في أوقات فرصه المدرسية يضطر إلى الاختلاط برفاقه والتنزه معهم في قاعة كبرى من قاعات المدرسة، ولكي يتخلص من تلك الحالة المملة، قيض له أن يحرك المدرسة جميعها، بأن هيأ لرفاقه أنهم يستطيعون أن يجدوا له مخرجا إلى التسلية واللهو إذا هم فتحوا بالمجارف معابر مختلفة في وسط الثلوج أو حفروا خنادق ورفعوا أسوارا وخيالة ... وزاد على ذلك بقوله: عندما ينتهي العمل الأول، ننقسم إلى فرق، ونعمل لنا حصنا، وبما أني مخترع هذا النوع من التسلية آخذ على عهدتي إدارة القتال، فنزل الرفاق عند فكرته بغبطة وفرح، وبقيت تلك الحرب المتنكرة مدة خمسة عشر يوما، ولم تضع أوزارها إلا عندما تخللت كرات الثلوج حصيات وحجارة صغيرة نجم عنها أن بعض التلاميذ أصيبوا بجراح بليغة، أذكر أنني كنت في عداد الذين اضطهدوا اضطهادا فظيعا في تلك المعركة.»
كان على بونابرت الفتى ليتمكن من القيام بهذا العمل، بالرغم من ميله إلى الوحدة والتأملات، أن يكون ذا سطوة على رفاقه، وهذه السطوة لا تكتسب بالخشونة والتوحش اللذين عزاهما إليه بعض المترجمين الأغبياء.
لم يكن نابوليون متمتعا باحترام رفاقه فحسب، بل كان حاصلا على ثقة معلميه وإكرامهم حتى إن كثيرين منهم كانوا يتنبئون له عن مستقبل عظيم، وقد أكد ده لاكيل، أستاذه في التاريخ، أنه إذا فتحت خزائن المدرسة الحربية قرئ في أحد سجلاتها حاشية ضمنها مستقبل تلميذه وهي: «كورسكي الملة والخلق، سيبلغ شأوا بعيدا إذا ساعدته الظروف»، وكان دو ميرون، أستاذه في الآداب، الذي امتاز بين معلمي البيان، يسمي شروحه: «حجارة من الصوان أحميت في بركان.»
في مباراة سنة 1785، اختاره الشفالييه ده كيراليو لمدرسة باريس الحربية، فسعوا عبثا أن يحولوه عن فكرته هذه؛ لأن التلميذ لم يكن بالغا السن؛ ولأنه لا يجيد إجادة تامة إلا المواد الرياضية، فلم يقنع هذا القول الشفالييه الذي كان ضابطا كبيرا ويشغل وظيفة مفتش فأجاب: «إنني إنما لا أجهل ما أعمل، وإذا كنت الآن أخترق النظام فليس ذلك إكراما لأسرته لأني لا أعرف أحدا من أعضائها، إنما يتراءى لي في هذا التلميذ جذوة متقدة من الواجب أن يواصل اضطرامها.»
عندما دخل نابوليون تلك المدرسة الجديدة، لم يلبث أن حزن من التربية اللينة المرفهة التي يتعهدون بها فتيانا يعدونهم للحياة القاسية في المعسكر ولمهنة الجندية الشاقة، فكتب مذكرة أرسلها إلى السيد بروتون قال فيها: «إن تلاميذ المدرسة الملكية يسلكون منهجا لا يصل بهم إلى الغاية التي تنتظرها منهم بلادهم، فبدل أن يخصص عدد من الخدم لقضاء حاجاتهم، أو أن تصرف الأموال الكثيرة بترويض خيولهم على يد السياس، يجدر بهم هم أنفسهم أن يقوموا بهذا العمل، أليسوا جميعا بعيدين عن طرف القصور وبهرجة الغنى، معدين للخدمة العسكرية التي من أجلها وحدها إنما وجدوا في هذه المدرسة؟ لقد قدر لهم أن يسلكوا حياة متزهدة، لا حياة ترف ورفاه، وأن يتعهدوا نفوسهم بنفوسهم فيصبحوا أشداء يقتحمون المصاعب بتجلد وقوة، ويتحملون بشجاعة وبسالة أهوال الحروب الشاخصة إليهم من خلال المستقبل، ولا يصدفون عن احترام الجنود الذين سيكونون تحت سلطتهم.»
هكذا كان نابوليون وهو لا يزال ولدا، يملي في مذكرة التلميذ قواعد نظام حققها فيما بعد وهو في أعلى ذروة من ذرى مجده.
أما الامتحانات اللامعة التي قدمها، فقد مهدت له شهرة في باريس كما مهدت له في بريين، وفي سنة 1887 خرج من المدرسة الحربية برتبة ملازم ثان، وانخرط في فرقة مدفعية لافير التي كانت وقتئذ محافظة في غرونوبل.
كان نابوليون في مدة إقامته بباريس، وهو لا يكاد يبلغ الثامنة عشرة من عمره، يتردد إلى الأب راينال فيبحث معه باطلاع وافر في أكبر مسائل التاريخ وأصول وضع الشرائع والسياسة، ثم أرسل إلى فالنس، وفيها قسم من فرقته، فما عتم الأمر أن أتيح له أن يتعرف إلى المجتمعات الراقية، خصوصا مجتمع السيدة ده كولومبييه، وهي امرأة على جانب عظيم من الذكاء والعلم، فتعرف هناك إلى السيد ده مونتاليفه الذي جعله فيما بعد وزير خارجيته.
كان للسيدة كولومبيه ابنة، أوحت إلى الضابط الفتى أولى عواطف الحب التي اختبرها في حياته، قال نابوليون: «كان ذلك الميل الطاهر مشتركا بيني وبينها، وكانت أسعد أوقاتي معها مقتصرة على قطف الكرز وأكله جنبا إلى جنب.»
Неизвестная страница