وبعد ملكهم لدمشق أمنوا من بقي من أهلها، وعزموا السير الى الرملة واستولوا على جميع ما بينهما، فلما سمع من بها من الغاربة خبرهم ساروا منها الى يافا، فتحصنوا بها، وملك القرامطة الرملة بعد قتال شديد وخسائر
جمة، وبعد استتباب الأمر لهم قصدوا المسير الى مصر وتركوا على يافا من يحصرها.
وعند دخولهم مصر اجتمع عليهم خلق كثير من العرب وغيرهم من الجند والإِخشيدية، والكافورية، فنزلوا بفناء مدينة الشمس على مقربة من مصر قريبًا من قرية البلسم أو البيلسان وتعرف "بعين" شمس، واجتمع جند جوهر
_________
الاخشيدية وغيرهم الى الشام مع الحسن بن أحمد فلا اعتراض لنا عليه، وقد أذنا له في المسير والمعسكران واحد، فخرج الى القرامطة كثير من الاخشيدية الذين كانوا بمصر وفلسطين، ممن فر من جوهر وجعفر بن فلاح، وكان جعفر لما أخذ طبرية بعث الى أبي تغلب ابن حمدان بداع يقال له أبو طالب التنوخي، يقول له: إنا سائرون اليك فتقيم لنا الدعوة، فلما قدم الداعي على أبي تغلب وهو بالموصل، وأدى الرسالة، قال له: هذا ما لا يتم لأننا في دهليز
بغداد، والعساكر منا قريبة، ولكن إِذا قربت عساكركم من هذه الديار، أمكن ما ذكرته، فانصرف بغير شيء.
ثم ان الحسن بن أحمد القرمطي، سار عن الرحبة الى أن قرب من دمشق، فجمع جعفر خواصه واستشارهم، فاتفقوا على أن يكون لقاء القرامطة في طرف البرية قبل أن يتمكنوا من العمارة، فخرج اليهم ولقيهم، فقاتلهم قتالا شديدًا،
فانهزم عنه عدة من أصحابه، فولى في عدة ممن معه، وركب القرامطة أقفيتهم، وقد تكاثرت العربان من كل ناحية، وصعد الغبار، فلم يعرف كبير من صغير، ووجد جعفر قتيلا لا يعرف لها قاتل، وكانت هذه الوقعة في يوم الخميس لست خلون من ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة.
فامتلأت أيدي القرامطة بما احتووا عليه من المال والسلاح وغيره، وخرج محمد بن عصودا إلى جثة جعفر بن فلاح، وهى مطروحة في الطريق، فأخذ رأسه وصلبه على حائط داره، أراد بذلك أخذ ثأر أخيه اسحق بن عصودا،
وملك القرامطة دمشق، وورد الخبر بذلك على جوهر القائد، فاستعد لحرب القرامطة ...
1 / 3