فساروا نحو البصرة.
وبلغ عليا خبرهم وكان متجهزا إلى الشام، فأرسل إليهم ينصحهم فلم يجيبوه، فتجهز لهم، وسار في أثرهم قاصدا البصرة، وانضمت له جموع حتى بلغوا نحو تسعة آلاف مقاتل.
22
أما عائشة فإنها وصلت البصرة، واصطف لها الناس في الطريق، فقالوا لها: «يا أم المؤمنين، ما الذي أخرجك من بيتك؟» وعلت أصواتهم بهذه الكلمة وأكثروا عليها، فقالت: «أيها الناس، والله ما بلغ من ذنب عثمان أن يستحل دمه، ولقد قتل مظلوما، غضبنا لكم من السوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل؟! وإن من الرأي أن ننظر إلى قتلة عثمان فيقتلون به، ثم يرد هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطاب»، فلما أتمت قولها قال فريق من البصريين: «صدقت»، وقال آخرون: «كذبت»؛ وانقسموا إلى قسمين: قسم اتفق مع المطالبين بدم عثمان وهم الأكثر، وقسم عدهم هؤلاء من الخوارج، ولم يزل الناس يقولون ذلك - صدقت، كذبت - حتى ضرب بعضهم وجوه بعض، ورد على عائشة رجل من عبد القيس فنالوا منه، ونتفوا لحيته، وترامى الناس بالحجارة، واضطربوا وهم مجتمعون في مربد البصرة،
23
فجاء رئيس شرطة البصرة حكيم بن جبلة إلى الأمير عثمان بن حنيف، ودعاه إلى قتال أصحاب عائشة، فأبى عثمان، وكان حكيم عند نزول جيش عائشة في الخريبة قد أشار على عثمان بمنعهم من دخور البصرة فأبى وقال: «ما أدري ما رأي أمير المؤمنين في ذلك»، فدخلوا بدون مانع، وكتب الأمير إلى الإمام علي يخبره بقدومهم، وبما حدث يوم دخولهم البصرة.
ثم أتى عبد الله بن الزبير إلى خزينة الرزق؛ ليأخذ الطعام إلى أصحابه منها، فجاء حكيم في سبعمائة من عبد القيس فقاتله، فقتل حكيم وسبعون رجلا من أصحابه، وذلك في جمادى الآخرة سنة 36ه، ثم ملك أصحاب عائشة بيت مال البصرة، وقتلوا من الوكلاء خمسين رجلا، ويروى أنهم هجموا ليلا على دار الإمارة وقتلوا أربعين رجلا من حرس عثمان بن حنيف، وقبضوا على عثمان وحبسوه، واستولوا على دار الإمارة وبيت المال. ثم أطلقوا عثمان،
24
فسار إلى ملاقاة الإمام علي.
وبعد قليل وصل الإمام علي بجيشه، ونزل في الزاوية من البصرة، وأرسل القعقاع إلى الثائرين ينصحهم، وظل يراسلهم ثلاثة أيام، وكتب إلى طلحة والزبير يدعوهما للتدبر في مصير أمرهما، وكتب إلى عائشة يردها عما عزمت عليه. فكتب إليه الزبير يقول: «إنك سرت مسيرا له ما بعده، ولست راجعا وفي نفسك منه حاجة، فاقض لأمرك»، وكتب إليه طلحة: «إنك لست راضيا دون دخولنا في طاعتك، ولسنا بداخلين فيها أبدا، فاقض ما أنت قاض»، وكتبت إليه عائشة: «جل الأمر عن العتاب، والسلام.»
Неизвестная страница