19
وفي أيامه في سنة 23ه طعن أهل الكوفة في عثمان، وأنكروا عليه ولاية جماعة من أقربائه لا يصلحون للإمارة، ثم سكنوا، ولكنهم ظلوا ناقمين عليه سرا حتى إذا ما كانت سنة 35ه ثاروا، واتفق معهم أهل البصرة وأهل مصر، وخرج خمسمائة رجل من الكوفة ومثلهم من البصرة ومثلهم من المصريين، واجتمعوا بالمدينة، وطلبوا من عثمان عزل عماله، وكان عثمان قد سار على سيرة الشيخين بادئ بدء، ثم غير سيرته فعزل أكثر الولاة القديرين، وولى أقرباءه؛ لأنه كان كلفا بأهله مستسلما إلى أقربائه من بني أمية حتى نقم عليه أكثر أصحابه ونفروا منه. فكبرت الفتنة فحاصروه في داره، ثم هجموا عليه وقتلوه بعد حوادث طويلة، وذلك في 18 ذي الحجة سنة 35ه الموافقة لسنة 656م.
وبويع بالخلافة الإمام علي في 25 ذي الحجة من السنة المذكورة، فعزل أكثر ولاة عثمان، منهم أمير البصرة عبد الله بن عامر؛ فإنه عزله في أوائل سنة 36ه الموافقة لسنة 656م، وولى مكانه عثمان بن حنيف، فلما وصل البصرة الأمير الجديد ولى على شرطة البصرة حكيم بن جبلة.
وفي أيام إمارة ابن حنيف حدثت وقعة الجمل الشهيرة بالبصرة، وخلاصتها ما يأتي: (7-1) وقعة الجمل
لما قتل عثمان، وصارت الخلافة للإمام علي، استاء كثير من أهل مكة والمدينة وغيرها لقتل عثمان خصوصا بنو أمية، ومن جملتهم عائشة بنت أبي بكر، فإنها لما بلغها الخبر استنكرت قتله استنكارا شديدا، وكانت يومئذ بمكة وقالت: «ما كنت أبالي أن تقع السماء على الأرض، قتل والله مظلوما وأنا طالبة بدمه»، مع أنها كانت من جملة الناقمين عليه حينما غير سيرته واستسلم لأقربائه، فانضمت عائشة إلى من اتهم عليا بقتل عثمان؛ لأن قتلة عثمان التفوا حوله، وكان طلحة والزبير بن العوام ممن طمع بالخلافة بعد قتل عثمان، ولكنهما لما رأيا الأكثرية الساحقة لعلي وافقوا القوم وبايعاه مع الناس وعينا كل منهما إلى ولاية من الولايات الكبرى، بل كان طلحة لا يشك في ولاية اليمن، والزبير لا يشك في ولاية العراق، فلما استبان لهما أن عليا غير موليهما قابلاه فقالا له: «هل تدري علام بايعناك؟» قال: «نعم، على السمع والطاعة، وعلى ما بايعتم عليه أبا بكر وعمر وعثمان»، فقالا: «ولكنا بايعناك على أنا شريكاك في الأمر »، فقال علي: «ولكنكما شريكان في القول والاستقامة والعون على العجز والأولاد»، فانصرفا ثم أظهرا الشكاة؛ فتكلم الزبير في ملأ من قريش فقال: «هذا جزاؤنا من علي؟! قمنا له في أمر عثمان حتى أثبتنا عليه الذنب وسببنا له القتل وهو جالس في بيته، وكفي الأمر، فلما نال ما أراد جعل دوننا غيرنا.» فقال طلحة: «ما اللؤم إلا أنا كنا ثلاثة من أهل الشورى كرهه أحدنا وبايعناه، وأعطيناه ما في أيدينا، ومنعنا ما في يده، فأصبحنا وقد أخطأنا ما رجونا»،
20
فانتهى قولهما إلى علي فدعا عبد الله بن عباس فقال له: «هل بلغك قول هذين الرجلين؟» قال: «نعم، بلغني قولهما»، قال: «فما ترى؟» قال: «أرى أنهما أحبا الولاية، فول البصرة الزبير، وول طلحة الكوفة؛ فإنهما ليسا بأقرب إليك من الوليد وابن عامر من عثمان»، فقال علي: «ويحك، إن العراقيين بها الرجال والأموال، ومتى تملكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقويا على القوي بالسلطان، ولو كنت مستعملا أحدا لضره ونفعه لاستعملت معاوية على الشام، ولولا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي.»
فلما يئس كل من طلحة والزبير من الولاية مضيا إلى مكة، والتقيا بعائشة، وعظما لها شأن عثمان، وشايعاها على ما تطلبه هي وغيرها من الذين ساءهم قتل عثمان، وقالا لها: «تجملنا هربا من غوغاء الناس، وفارقنا قومنا حيارى لا يعرفون حقا، ولا ينكرون باطلا، ولا يمنعون أنفسهم»، فقالت: «ننهض إلى هذه الغوغاء أو نأتي الشام»، وعزمت على الاقتصاص من علي، وانحازت إلى من قام ضده من ذوي المطامع الذين اتخذوا قتل عثمان ذريعة لنيل مقاصدهم، وصارت تطالب عليا بدم عثمان جهارا، وقوي عزمها بطلحة والزبير.
وكان قد وصلهم خبر رد أهل الشام بيعة علي، وقيام معاوية بالمطالبة بدم عثمان، فعزموا الشخوص إلى البصرة، وشرعوا في تجهيز الجيوش، وانضم إليهم جمهور كبير، فبلغ ذلك عليا فلم يستطع أن يسلم قتلة عثمان؛ لأنهم يعدون بالألوف، وهم الذين عملوا على توليته الخلافة، ولو أنه أمر بالقبض عليهم لم يسلموا حتى تسفك آخر قطرة من دمائهم، فيكون ذلك صدع لوحدة المسلمين؛ فامتنع علي عن تسليمهم. فخرجت عائشة من مكة ومعها طلحة والزبير وعبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان بن الحكم، وغيرهم من بني أمية الذين أعانوها، ونادى مناديها في الناس يطلب ثأر عثمان، فاجتمع نحو ثلاثة آلاف مقاتل
21
Неизвестная страница