عند هذا اقترب المسيحي الذي يتعهده بالطعام إلى باب المغارة، وقال له إنه إذا بقي مصرا على صمته لا يحجم الزائرون عن إقلاق راحته، فاضطر الناسك أن ينزل عند توسلات الشعب، وأخذ يملي على بعضهم فقرات حكمية استوحاها من العزة الإلهية.
فاغتبط الجميع وسروا سرورا لا حد له.
وفي الليلة التالية تمكن الناسك من الهرب بمساعدة الرجل المسيحي، فوصل أمام كوخ سقف بالقصب والخيزران، فأبصر شيخا مسنا ذا لحية بيضاء جالسا يصلي على عتبة الباب.
أما الشيخ فعندما وقع نظره على الناسك بادره قائلا: اقترب مني يا بني، فأنا الكاهن باخوميوس، وقد مر علي تسعون سنة في خدمة المسيح.
لقد فتح الله بصيرتي بيده العذبة، فعرفت أنك تدعى سيراب الناسك.
إنك تستطيع أن تقوم بأعمال عظيمة، ولكن يجب عليك قبل ذاك أن تصلي كثيرا وتقاسي عذابات لا طائل تحتها ...
اذهب نحو جهة المشرق، وعندما تغيب الشمس ثلاث مرات، وتصل إلى سهل ملآن عشبا، بالقرب من هيكل مدمر، يفتح الله بصيرتك ويلهمك أشياء كثيرة.
أكمل طريقك يا بني وصل لأجلي ...
سلك الناسك طريقه حتى انتهى به السير إلى سهل يمتد على أقدام جبل مرتفع لا خصب فيه، فأبصر آبارا عديدة، تنتصب فوقها أدواح مسنة وتماثيل من الحجر محى الزمن رواءها، ووقع نظره على أعمدة متهدمة وأطواد محطمة يرتفع بينها عمود أبيض مستطيل، كأنما هو زهرة من أزهار الأحلام لا تزال مفتحة فوق تلك البقايا المحزنة.
أما الصخور المتهيرة، قفد كانت ترتفع بعضها فوق بعض مؤلفة مغاور كبيرة، أوى إليها بعض الرعاة مع مواشيهم.
Неизвестная страница