فكان أمر الله تعالى لآدم عليه السلام بسكنى الجنان والأكل الرغد ونفوذ المشيئة من باب الإعلام والتأنيس بالبشارات بأنه لا يجوع فيها ولا يعرى ولا يظمأ ولا يضحى وكان نهيه له على جهة الإرشاد المتقدم ذكره أو التحذير مما تؤول إليه عقباه إن فعل ما نهي عن فعله في خروجه عن الجنة وشقائه في الدنيا والإعلام بمكيدة الشيطان والتحفظ منه وكونه عدوا حاسدا له
وهذا معلوم في اللسان وما جرت به العادات وقد أمر الله تعالى إبليس بقوله {واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم} فهذه أوامر على جهة الوعيد له والتهديد كقوله تعالى للكفرة {اعملوا ما شئتم} وليست بتكليف إذ لو كانت على جهة التكليف بفعلها لكان وقوعها منه طاعة وهو عاص في هذه الأفعال إجماعا
وقد أمر الله موسى عليه السلام بأخذ الحية ونهاه عن الخوف منها حيث قال له {خذها ولا تخف} والخوف أمر ضروري فلا يقع الأمر به جزما فكان الأمر له على جهة التأنيس والإعلام بأنها لا تؤذيه إذ أخذها وكان مكلفا إذا ذاك ولم يكن ذلك الأمر والنهي له مشروعين وكذلك قوله تعالى {اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} وقوله تعالى لأم موسى {فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني}
Страница 68