والذي يرفع هذه الخدعة أن يعلم أن قولنا في الشيء أنه لا أبيض وأنه ليس بأبيض ليس يدلان منه على معنى واحد، وأنه ليس سالبة قولنا زيد أبيض قولنا زيد لا أبيض بل قولنا زيد ليس بأبيض. وذلك أن نسبة قولنا زيد أبيض إلى قولنا زيد لا أبيض هي نسبة قولنا زيد يمكن أن يمشي إلى قولنا زيد يمكن أن لا يمشي، ونسبة قولنا زيد يوجد أبيض إلى قولنا زيد ليس يوجد أبيض هي نسبة قولنا زيد يمكن أن يمشي إلى قولنا زيد ليس يمكن أن يمشي. فكما أن الممكنين قضيتان موجبتان- على ما تبين في الكتاب المتقدم- كذلك قولنا زيد أبيض، زيد لا أبيض. فإن كان قولنا زيد لا أبيض بمنزلة قولنا زيد ليس بأبيض، فيجب أن يكون كل شيء أما أبيض وأما لا أبيض كما يجب أن يكون كل شيء إما أبيض وإما ليس بأبيض. وهو بين أن الأشياء المعدومة وكثرة من الأشياء الموجودة لا يصدق عليها أنها بيض ولا أنها لا بيض، وأما أنها بيض أو ليست بيض فيصدق على جميع الأشياء. وأيضا لو كان قولنا زيد هو قادر أن لا يمشي بمنزلة قولنا زيد ليس هو قادر أن يمشي، لكان الإيجاب والسلب يجتمعان في شيء واحد بعينه لأنه كما أن قولنا في زيد أنه قادر أن يمشي وأن لا يمشي يصدقان معا كذلك كان يجب أن يكون قولنا فيه إنه قادر وإنه ليس بقادر- أعني لو كان معنى السلب في ذلك هو معنى العدل. وبين أن قولنا قادر وليس بقادر لا يجتمعان معا في شيء واحد بعينه. فالقضية المعدولة تفارق السلب، أما حينا فبأنها توجد هي ومقابلتها معا في شيء واحد، وأما حينا فبأنها قد يخلو الموضوع من كل واحد منهما. وأما القضية السالبة والموجبة فيخصهما أنهما لا يجتمعان في شيء واحد ولا يخلو من أحدهما شيء من الأشياء. ولذلك كان قولنا في سقراط أنه عادل ولا عادل كاذبين معا إذا كان سقراط ميتا، وقولنا أنه عادل أو ليس بعادل يقتسمان الصدق والكذب- أعني أنه ليس يخلو سقراط من أن يوصف بواحد منهما كان ميتا أو حيا. وكذلك قولنا في زيد إنه يقدر أن يمشي ويقدر أن لا يمشي المتقابلان صادقان معا فيه، وقولنا فيه إنه يقدر أن يمشي ليس يقدر أن يمشي أحدهما صادق والآخر كاذب. وإذا كانت القضايا المعدولة موجبات فلها سوالب. وإذا قيست القضايا البسيطة والمعدولة الموجبات فيها والسوالب ظهر لبعضها إلى بعض نسبتان- نسبة تقابل ونسبة لزوم.
1 / 59