ولأن ضروب النتائج التي تكون عن المقاييس عندنا معلومة وفي كم من شكل تكون النتيجة الواحدة بعينها وفي كم من صنف في ذلك الشكل تكون، قد يظهر لنا من ذلك أي ضرب من ضروب النتائج والمطلوبات يكون وجود القياس عليه أصعب وأي ضرب من ضروب النتائج يكون وجود القياس عليه أسهل، لأنه من البين أن الضرب الذي يتبين عن مقاييس أكثر أشكالا وأكثر أصنافا من أصناف الشكل الواحد بعينه أسهل من التي تتبين عن مقاييس أقل أشكالا وأقل أصنافا.
فأما الموجب الكلي فقد تبين أنه لا يبين إلا في الشكل الأول. وذلك في صنف واحد منه. وأما السالب الكلي فقد تبين أيضا أنه يبين في شكلين- في الأول وفي الثاني- ويبين في الأول في صنف واحد فقط وفي الثاني في صنفين اثنين. وأما الموجب الجزئي فقد تبين أيضا أنه ينتج في الشكل الأول والثالث، أما في الشكل الأول ففي صنف واحد منه، وأما في الثالث ففي ثلاثة أصناف منه. وكذلك تبين أن السالب الجزئي ينتج في الأشكال كلها، أما في الأول ففي صنف واحد، وأما في الثاني ففي صنفين، وأما في الثالث ففي ثلاثة أصناف. وإذا كان هذا كله كما وصفنا فظاهر أن أعسرها إثباتا هو الموجب الكلي إذ كان يثبت بطريق واحد، وأنه أسهلها كلها إبطالا إذ كان يبطل بإثبات السالب الجزئي. والسالب الجزئي أسهلها إثباتا، إذ كان يثبت بأكثرها طرقا وأيضا فإنه يثبت بالسالب الكلي. وبالجملة فإبطال الكلي أسهل من إثباته، إذ كان يبطل بثبوت نقيضه- وهو الجزئي- وبثبوت مضاده- وهو الكلي. والسالب الكلي يثبت في شكلين ويبطل في شكلين إلا أن إبطاله أسهل من إثباته، وذلك أنه يبطل بإثبات الجزئي الموجب والكلي الموجب ويثبت بجهة واحدة- وهو إنتاجه نفسه. وأما المطلوبات الجزئية فإثباتها أسهل من إبطالها، وذلك أنها تثبت من جهتها أنفسها وهي تتبين بأشكال كثيرة وفي أصناف كثيرة ومن جهة إثبات الكلي الذي يشتمل عليها وتبطل من جهة الكلي المناقض لها فقط. ولذلك كان أعسرها إبطالا هو السالب الجزئي، إذ كان إنما يبطل بأعسرها إثباتا- وهو الموجب الكلي.
وبالجملة فإثبات الموجب أعسر من إثبات السالب، وذلك أن السالب الجزئي يتبين بطرق أكثر من الطرق التي يتبين بها الموجب الجزئي وكذلك السالب الكلي يتبين بطرق أكثر من التي يتبين بها الموجب الكلي ولأن إثبات السلب هو إبطال الوجود، فعلى هذه الجهة قد يصح أن يقال إن الإبطال أسهل من الإثبات. وأما إذا أخذ الإثبات والإبطال للكلي والجزئي، كان إبطال الكلي أسهل من إثباته والجزئي بالعكس.
فقد تبين مما قيل كيف يكون ترتيب الحدود في المقاييس، ومن كم من حد ومن كم من مقدمة يكون، وكيف ينبغي أن تكون نسبة المقدمات بعضها إلى بعض، وأي مطلوب يبين في أي شكل، وما يبين منها في أشكال قليلة وما يبين منها في أشكال كثيرة. وهنا انقضى الفصل الأول من هذه المقالة.
الفصل الثاني
كيف يستنبط القياس
قال: وقد ينبغي أن تعلم كيف يستنبط القياس على كل مطلوب تقصد معرفته وبأي سبيل تأخذ مقدمات كل قياس. فإنه ليس ينبغي لنا أن نكون عالمين بالقياس فقط، بل وأن تكون عندنا قوانين نقدر بها على أن نكون بها عاملين للقياس. وذلك يتم بمعرفة صنفين من القوانين، أحدهما معرفة القوانين التي بها يستنبط القياس، والثاني معرفة القوانين التي بها تستخرج مقدمات القياس.
1 / 47