وإذا تبين هذا فهو بين أيضا أن كل قياس بسيط أو مركب من مقاييس بسيطة تام التركيب غير ناقص منه مقدمة من المقدمات الضرورية في النتيجة الأخيرة فهو مؤلف من مقدمات أزواج وحدود أفراد لأن الحدود أكثر من المقدمات بواحد، وأنه أي قياس كان بهذه الصفة ولم تكن مقدماته أزواجا فإنه غير منتج إلا أن يكون أخذ فيه مقدمة ليست ضرورية في الإنتاج أو حذف منه بعض المقدمات الضرورية، وخاصة هذا القياس أن تكون النتائج فيه نصف المقدمات، لن عن كل مقدمتين نتيجة. والقياس المركب الذي بهذه الصفة يسمى الموصول، وهو الذي يصرح فيه- كما قلنا- بجميع المقدمات الضرورية في إنتاج المطلوب ويصرح فيه بالمقدمات الوسط مرتين، مرة من حيث هي نتائج، ومرة من حيث هي مقدمات- وعني بالوسائط المقدمات التي بين المطلوب الأول وبين المقدمات الأول التي ائتلفت منها الأقيسة البسائط التي إليها ينحل القياس المركب، وهي المعروفة بنفسها- مثل أن نبين أن اَ موجودة في بَ بمقدمتي جَ ودَ وتبين كل واحدة من هاتين المقدمتين بمقدمتين أيضا. مثال ذلك أن يبين مقدمة جَ بمقدمتي هَ زَ ومقدمة دَ بمقدمتي حَ كَ وتكون مقدمات هَ زَ حَ كَ الأربعة بينة بنفسها، فتكون جميع مقدمات هذا القياس ما خلا هذه الأربع مرة هي نتائج ومرة هي مقدمات- أعني نتائج بالإضافة إلى ما تحتها، مقدمات بالإضافة إلى ما فوقها.
وأما القياس المركب الذي يسمى المفصول- وهو الذي إنما يصرح فيه إما بجميع المقدمات فقط دون النتائج اللازمة عنها وإما ببعض المقدمات- فإنه من جهة أنه ليس يصرح فيه بجميع المقدمات تكون خاصته أن الحدود التي تزيد أبدا على المقدمات بواحد إلا أنه ليس تكون المقدمات أبدا أزواجا والحدود أفرادا كما كانت في القياس المركب الموصول، بل خاصة هذا أنه متى كانت المقدمات أزواجا كانت الحدود أفرادا ومتى كانت المقدمات أفرادا كانت الحدود أزواجا، لأن هذه هي خاصة الأعداد التي يزيد أحدهما على الآخر بواحد، فمتى كانت المقدمات أفرادا والحدود أزواجا وزيد هنالك فرد آخر انعكس الأمر، فعادت المقدمات أزواجا والحدود أفرادا.
ولما كان يلحق هذا القياس أن المقدمات فيه يتصل بعضها ببعض إذ ليس تحول بينها النتائج التي يصرح بها في القياس الموصول بل تحذف هاهنا حذفا، وجب أن تحدث فيه مع كل ثلاثة حدود نتيجة. فمنها ما لها غناء في إنتاج المطلوب، ومنها ليس لها غناء- وهي النتائج المسماة فوائد. وإذا كان هذا هكذا كانت النتائج الحادثة في هذا القياس أكثر كثيرا من الحدود والمقدمات- أعني متى كانت الحدود أكثر من أربعة. ومتى زيد حد واحد تزيد نتائج أقل من الحدود التي زيد عليها الحد بواحد، لأنه لا يجتمع من الحد المزيد ومن الحد الذي يليه نتيجة، وإنما يجتمع منه ومن الحد الثالث، ثم منه ومن الرابع، وهكذا إلى آخر الحدود، وسواء كان الحد المزيد في الطرف الأسفل- وهو أن يكون موضوعا للموضوع الأول- أو في الطرف الأعلى- وهو أن يكون محمولا على المحمول الأخير- أو كان أيضا مزيدا في الوسط، وذلك أنه إذا كان في الوسط، عمل أيضا مع الحدود التي فوقه والتي تحته نتائج ما خلا الحدين اللذين يليانه اللذين أحدهما من فوق والآخر من أسفل. مثال ذلك أنه إذا كانت معنا حدود أربعة- وهي حدود اَ بَ جَ دَ- فإنه يكون عن هذه الحدود ثلاث نتائج نتيجة لحدود اَ بَ جَ، ونتيجة لحدود اَ جَ دَ، ونتيجة لحدود بَ جَ دَ. فإن زيد عليها حد واحد- وهو مثلا هَ- حدثت ثلاث نتائج- نتيجة لحدود هَ جَ دَ، ونتيجة لحدود هَ جَ بَ، ونتيجة أيضا لحدود هَ دَ اَ- فتكون أكثر من الحدود وتكون النتائج الحادثة عن الحد المزيد أقل من الحدود التي أضيف إليها الحد المزيد بواحد.
فبهذه السبارات يمكن أن يوقف على معرفة نوعي القياس المركب الموصول والمفصول، فإنه إذا لم تلف فيه هذه الخواص ولم تكن هنالك مقدمات زيدت لغرض من الأغراض التي تزاد فيها المقدمات التي ليس لها غناء في إنتاج المطلوب، فهو بين أن القول ليس بقياس مركب أصلا لا موصول ولا مفصول. وما وجدت فيه خواص الموصول فهو موصول، وما وجدت فيه خواص المفصول فهو مفصول.
فصل
1 / 46