وأما أن كل قياس حمل مؤلف على مطلوب محدود فإنه يكون أحد هذه الثلاثة الأصناف من المقاييس الحملية- أعني الشكل الأول والثاني والثالث- وأنه ليس يوجد شكل رابع، فهو ظاهر من أن الحد الأوسط الذي يؤخذ مشاركا للطرفين- مثل أن نأخذ الجَ مشاركة للبَ والألف اللذين هما طرف المطلوب- لا يخلو من ثلاثة أحوال، إما أن يكون موضوعا للطرف الأكبر محمولا للأصغر- مثل أن تكون اَ مقولة على جَ وجَ مقولة على بَ- وهذا هو الشكل الأول، أو يكون محمولا عليهما جميعا- وهذا هو الشكل الثاني- أو يكون موضوعا لهما- وهذا هو الشكل الثالث. وأما أن يؤخذ محمولا على الأكبر موضوعا للأصغر فليس يمكن، لأن المحمول على الأكبر محمول على الأصغر إذ كان الأكبر محمولا في الطلب بالطبع على الأصغر فيكون الشيء بعينه محمولا على نفسه، وذلك مستحيل. هذا إذا اعتبر الحد الأوسط بحسب المطلوب المفروض. وأما إذا اعتبر بحسب المشاركة فإنه ينتج غير المطلوب الذي هو عكسه. فهو بهذه الجهة إن عد هذا التأليف شكلا رابعا كما يضعه جالينوس، فإنما يكون صنفا من أصناف الشكل الأول على مطلوب غير مفروض لا شكلا رابعا. ولذلك ليس تقع عليه فكرة بالطبع، ولا يوجد في كلام قياسي ولا برهاني ولا ظني. فقد تبين من هذا القول أن كل قياس حملي فإنه إنما يكون ضرورة أحد هذه الأصناف الثلاثة، وإن كان المطلوب الواحد بعينه يبين بأوساط كثيرة- مثل أن يبين أن ألف موجودة في البَ بوجود اَ في الجَ والجَ في الدَ، والدَ في الهَ والهَ في البَ- فهو قياس مركب من واحد من هذه الأشكال الثلاثة أو من اثنين منها أو ثلاثة.
وأما أن قياس الخلف أيضا مركب من واحد من هذه الأشكال الثلاثة ومن القياس الشرطي، فذلك يبين من أن قياس الخلف إنما يكون بسياقة الكلام فيه إلى المحال بقياس حملي ومن أن المطلوب فيه الأول إنما يلزم ويبين بقياس شرطي- مثل أن نقول أن القطر إما أن يكون مشاركا لضلع المربع أو مباينا له، ثم تبين المستثنى من هذا القياس الشرطي- وهو أنه لا يكون مشاركا- بقياس حملي يؤدي إلى المحال. وذلك بأن نقول: لأنه إن كان مشاركا كانت نسبة مربع أحدهما إلى الآخر نسبة عدد مربع إلى عدد مربع، فيلزم عن ذلك أن تكون نسبة مربع الضلع إلى مربع القطر نسبة عدد مربع إلى عدد مربع. وقد تبين في العاشرة من كتاب الاسطقسات أن نسبة المربعين أحدهما إلى الآخر ليست نسبة عدد مربع إلى عدد مربع- وهي نسبة الإثنين إلى الواحد- هذا خلف لا يمكن. فإذا تبين أنه غير مشارك استثنيناه من القياس الشرطي الذي استعملناه أولا- وهو قولنا القطر إما مباين وإما مشارك- فقلنا لكنه غير مشارك، فهو ضرورة مباين. وهذا هو القياس الشرطي المنفصل الذي يأتلف من المتعاندات التامة العناد الذي متى استثنى أحدهما أنتج مقابل الثاني، على ما قيل في المقاييس الشرطية. فالمحال- كما قلنا- في هذا القياس يبين بقياس حملي، والمطلوب يبين بقياس شرطي.
وأما القياس الشرطي فإنه تبين أيضا من أمره أنه لا يستغني عن القياس الحملي، وذلك أن القياس الشرطي جنسان أولان. أحدهما القياس المتصل، وهو الذي يتركب من المتلازمات ويرتبط بحروف الشرط التي تعطى الاتصال- مثل قولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. والشيء الذي يلزم عنه الشيء يسمى المقدم، واللازم التالي، وهو صنفان، أحدهما يستثنى فيه المقدم بعينه فينتج التالي بعينه- مثل قولنا لكن الشمس طالعة فالنهار موجود- والثاني يستثنى فيه مقابل التالي فينتج مقابل المقدم- مثل قولنا لكن النهار غير موجود فالشمس ليست بطالعة. والجنس الثاني الشرطي المنفصل، وهو يتركب من المعاندة التامة العناد وتقرن به حروف الشرط التي تدل على الانفصال- مثل قولنا هذا الوقت إما ليل وإما نهار. وهذه أربعة أصناف. وذلك أنه يستثنى فيه المقدم بعينه فينتج مقابل التالي، ويستثنى فيه التالي بعينه فينتج مقابل المقدم، ويستثنى فيه مقابل المقدم فينتج التالي، ويستثنى فيه مقابل التالي فينتج المقدم. وذلك أنا قد نقول: لكنه ليس بليل فهو نهار، أو لكنه ليس بنهار فهو ليل، أو لكنه ليل فليس بنهار، أو لكنه نهار فليس بليل.
1 / 42