قال: ويبين بنحو ما قيل في الأشكال الوجودية أن جميع المقاييس التي في هذه الأشكال أيضا ترتقي إلى الشكل الأول الذي فيها. فأما أن جميع أجناس المقاييس الموجودة على الإطلاق ترجع كلها بأسرها إلى الشكل الأول، فذلك يبين إذا تبين أن جميع أجناس المقاييس الحملية هي هذه الثلاثة فقط وأن ما عداها من المقاييس التي ليست بحملية فكلها مضطرة إلى الحملية.
فنقول: إن كل قياس بالجملة فهو إنما يبين إما أن الشيء موجود إما أنه غير موجود. وكل واحد من هذين إما أن يكون كليا وإما جزئيا. وكل ما يبين أن الشيء موجود أو غير موجود فإما أن يبينه على جهة الحمل وإما أن يبينه على جهة الاشتراط، وإما أن يبينه بقياس مركب من هذين- وهو الذي يدعى بقياس الخلف. والغرض الآن إنما هو التكلم في المقاييس الحملية، وشروط المنتج منها من غير المنتج على الإطلاق. فإنه إذا تبينت هذه تبينت المقاييس المضطرة إلى هذه في الإنتاج- وهو قياس الخلف والقياس الذي يكون بشريطة.
فنقول: إنه متى احتجنا أن نبين أن شيئا موجود في شيء- مثل أن نحتاج أن نبين أن اَ محمولة على بَ- إما على جهة السلب وإما على جهة الإيجاب، فهو من الظاهر أنه يجب أن نأخذ في بيان ذلك على جهة الحمل أن شيئا موجود لشيء ومحمول على شيء. فإن أخذنا في ذلك أن اَ محمولة على بَ، فمن البين أنا قد أخذنا الشيء في بيان نفسه، وذلك مستحيل وغير مفيد علما زائدا في المطلوب. وكذلك إن أخذنا في ذلك مباينة بالمحمول والموضوع المطلوب، فهو بين أيضا أنه ليس يلزم عنه شيء في المطلوب لا إيجاب ولا سلب- مثل قولنا إن اَ محمولة على بَ لأن جَ محمولة على دَ. وإذا امتنع هذان الوجهان، فلم يبق إلا أن يكون القول المأخوذ في بيان أن اَ موجودة في بَ إما قول مشارك له في أحد الطرفين أو مشارك لهما معا. ثم إن كان مشاركا لأحد الطرفين، فلا يخلو أن يكون محموله هو محمول المطلوب بعينه وموضوعه غيره، أو يكون موضوعه موضوع المطلوب ومحموله غيره، أو يكون محمول المطلوب هو موضوعه أو موضوع المطلوب هو محموله. فإنه لا يخلو القول المشارك لأحد الطرفين من هذه الأقسام. ثم لا يخلو أيضا هذا المشارك إما أن يوجد حكما واحدا بنفسه من غير أن يشاركه حكم آخر أو قضية أخرى وإما أن يوجد مشاركا لقضية أخرى- وذلك من غير أن يتصل بالمطلوب. فإن أخذ المشارك لأحد طرفي المطلوب الذي هو اَ وبَ قضية واحدة فقط- مثل أن نأخذ أن اَ مشاركة لجَ- بحمل أحدهما على صاحبه، فهو بين أنه ليس يلزم عن ذلك أن تكون اَ مشاركة لبَ- أي محمولة بإيجاب أو بسلب على بَ- ما لم يشارك جَ بَ. وإن أخذنا اَ مشاركة لجَ وجَ مشاركة لدَ بحمل بعضها على بعض، فهو بين أيضا أنه يكون عن ذلك قياس إلا أنه لا يكون قياس على المطلوب الذي طلب- أعني على وجود اَ في بَ أو سلبها عنه. ولو أخذنا الأمور المشاركة لأحد الطرفين إلى غير نهاية من غير أن يشارك الطرف الآخر- مثل أن نأخذ اَ مشاركة للجَ والجَ للدَ والدَ للهَ- فإنه ليس يلزم عن ذلك أن تكون اَ مشاركة لبَ إما بحمل إيجاب أو سلب ما لم يكن المشارك للألف مشاركا للبَ. فإن القياس الغير محدود إنما يكون عن مقدمات غير محدودة- أعني أن القياس يكون على غير مطلوب محدود. وأما القياس المحدود- أعني الذي يكون على مطلوب محدود- فإنه يجب أن يأتلف من مقدمات محدودة مشاركة لطرفي المطلوب، ولذلك ما يجب أن يكون أقل القياس المحدود إنما يأتلف من مقدمتين تشتركان بحد أوسط وتختلفان بطرفي المطلوب وإلا لم يمكن أن يبين أن شيئا محمول على شيء من أجل حمل شيء على شيء- مثل أن تكون اَ مشاركة للجَ والجَ مشاركة للبَ، فحينئذ يجب أن تكون ألف مشاركة للبَ. فقد تبين من هذا أن كل قياس فإنه يكون من مقدمتين وثلاثة حدود- حد أصغر وأوسط وأكبر.
1 / 41