والفرق بين الغضب والعداوة أَن الغضب يكون بالأَشياءِ التي تفعل بالغاضب أَو بمن هو من سببه؛ والبغضة والعداوة فقد تكون وإِن لم يفعل المبغض بالمبغض له شيئا. فإِنا قد نبغض ذوي النقائص، وإِن لم يجنوا علينا شيئا. وبالجملة إِذا ظننا بالمرءِ ما يستحق البغضة، فنحن نبغضه أَبدا. وفرق آخر: وهو أَن الغضب إِنما يكون على الأَشخاص مثل زيد وعمرو أَو أَقوام محصورين بالعدد؛ وأَما البغضة والعداوة فإِنها تكون للجنس، فإِنا نبغض البربر ويبغضوننا. وكذلك البغضة قد تكون للصنف فإِنا نبغض السارق والنموم، وقد يبغضه الناس أَجمعون. وفرق ثالث: وهو أَن الغضب قد يسكن بطول الزمان من غير أَن يفعل المغضوب عليه بالغاضب ما يزيل الغضب عنه؛ والعداوة ليس تسكن بطول الزمان، ما لم يفعل المعادَى بالمعادِى ما يوجب مودته. وأَيضا فإِن الغضب إِنما هو تشوق إِلى شر محدود أَن ينزل بالمغضوب عليه؛ وأَما البغضة فإِنها تشوق إِلى أَن ينزل بالمبغض شر غير محدود، أَعني أَنه كلما وقع به شر تشوق العدو إِلى أَن يقع به شر أَكثر. وذلك أَن الذي يغضب إِنما يهوى أَن ينزل بالمغضوب عليه شر محدود يشفى به صدره. وأَما العدو فإِنه ليس يهوى هذا، بل شرًا غير محدود، أَعني شرا أَكثر مما نزل به. فالبغضة تخالف الغضب بهذه الفصول. وأَيضا فإِن المؤذيات مبغضات، والأَشياءُ التي هي أَكثر أَذية هي مبغضات أَكثر، مثل الجور والجهالة. وأَيضا فإِن الغاضب يجد حزنا مع لذة كما قيل؛ وأَما المبغض فليس يجد لذة. وأَيضا فإِن الغضب قد يزول بأَيسر شيء يفعله الإِنسان، أَعني بأَشياء كثيرة؛ وأَما البغضة فليس تزول بذلك. وأَيضا فإِن الغاضب إِنما يهوى أَن ينزل بالمغضوب عليه مكروه ما فقط. مع أَلا ينعدم من الوجود؛ وأَما المبغض فإِنه يهوى أَن ينعدم المبغض من العالم أَصلا.
قال: وهو معلوم أَنه من قبل هذه الأَشياء التي ذكرناها قد يمكننا أَن نثبت بالقول انهم أَعداء أَو أَصدقاء أَو أَن نجعلهم كذلك إِن لم يكونوا كذلك، أَعني إِما أَعداء وإِما أَصدقاء. وكذلك يمكننا بمعرفة هذه الأَشياء بعينها أَن ننقض على القائلين دعواهم في المحبة والصداقة، أَعني أَن فلانا عدو وأَن فلانا صديق إِذا دفعنا ذلك، وذلك إِنما يكون، كما قلنا، بمعرفة ما هي الصداقة والعداوة والغضب، وبمعرفة هذه الأَشياء الثلاثة من كل واحد منها، أَعني الفاعلات لها، والناس المعدين للفعل بها والانفعال عنها. وقد ينتفع بمعرفة تثبيت العداوة والغضب في تثبيت الجور، لأَن أَحد الأَسباب التي من قبلها يجور الجائر هي البغضة والغضب، مثل أَن يثبت في زيد أَنه جار علينا من قبل أَن بيننا وبينه عداوة.
فهذا آخر ما قاله في الصداقة والعداوة.
القول في الخوف
قال: فأَما معرفة ممن يكون الخوف ومماذا يكون، أَعني الفاعلات له، ومَنْ الذين يخافون، فنحن نبين ذلك هاهنا، بعد أَن نحد الخوف ما هو، كما فعلنا في الأَبواب المتقدمة.
1 / 64