وكلتا الطريقتين طريقة هدي يسع المسلم سلوكها. قال ابن السبكي في خاتمة جمع الجوامع: «وما صح في الكتاب والسنة من الصفات نعتقد ظاهر المعنى، وننزه عند سماع المشكل. ثم اختلف أئمتنا أنؤول أم نفوض منزهين مع اتفاقهم على أن جهلنا بتفصيله لا يقدح».
فعلى طريقة الخلف تأولوا قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] بتأويلات ثلاثة: التأويل الأول: قال جمهور الأشاعرة وفي مقدمتهم إمام الحرمين: إن معنى الاستواء القهر والغلبة والاستيلاء، كما في قول الأخطل:
قد استوى بِشْرٌ على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
وقول الآخر:
فلما علونا واستوينا عليهم ... جعلناهم مرعى لنسر وطائر
وهذا هو التأويل الشائع بين طلبة العلم. وعندي أن معناه ضعيف؛ إذ لا مناسبة لأن تستعمل غلبة العرش في معنى عظمة الله تعالى؛ إذ ليس العرش بمتوهم فيه خالقية ولا تعاص حتى يعبر بغلبته عن عظمة الغالب وعلى هذا التأويل. فالمراد بالعرش: العرش الذي هو من عالم السماوات.
التأويل الثاني: للإمام الرازي قال: الاستواء الاقتدار، وزعم أنه أحسن تأويل. والحق عندي أنه تأويل ضعيف؛ إذ لا كبير معنى للاقتدار هنا، والمراد بالعرش على هذا مثل المراد به على التأويل الأول.
التأويل الثالث: قال صاحب الكشاف: «لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك (بكسر اللام) يرادف المُلْك (بضم الميم وسكون اللام) عرفًا (أي: يلازم وصف الملك جعله العرب كناية عن المُلْك (بضم الميم)، فقالوا: استوى فلان على العرش يريدون مَلِك وإن لم يقعد على السرير ألبتة» ا. هـ، «يريد أن ذلك من الكناية باللازم المتعارف عن الملزوم، ومعلوم أن اللفظ المستعمل كناية عن لازم معناه لا يلزم فيه صحة إرادة الملزوم؛ فلذلك زاد صاحب الكشاف قوله: «وإن لم يقعد على السرير ألبتة»، فالمراد بالاستواء فيه هو معنى الجلوس، والمراد بالعرش
1 / 13