ولأن الآية وردت في معرض الامتنان فلو لم يكن له ذنب لم يكن له وجه، وبقوله تعال: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٣]، وبقوله تعالى: ﴿وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه ١٢١]، وبقوله: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣]، وبقوله: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ [يوسف: ٢٤]، وبقوله حكاية عن يونس: ﴿سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧]، وغيرها من الآيات الواردات في هذا المعنى.
وقال الشهرستاني في كتابه «نهاية الإقدام»: الأصح أنهم معصومون عن الصغائر؛ لأنها إذا توالت صارت بالاتفاق كبائر؛ لكن المجوز عليهم عقلًا وشرعًا ترك الأولى من الأمرين المتقابلين جوازًا وحظرًا، ولكن التشديد عليهم في ذلك القدر يوازي الشدة على غيرهم في الكبائر ا. هـ. وكلامه لا يدل على وجوب العصمة قبل البعثة، ونقل في الفقه الأكبر ما يقارب كلام الشهرستاني، ووجه آخر وهو أن يَتْركُوا الأفضل كآدم ﵇ حين قاسمه إبليس حتى نسي النهي وظن أنه يحترم اسم الله العظيم وترك الأفضل وهو غاية الأمر؛ ولهذا قال الله تعالى في حقه: ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥].
فأما ما قبل النبوة أو ما قبل أن يوحى إليه في فعل بعد النبوة فالذي عليه الأكثر منع إنشاء الذنب والإصرار؛ لئلا تزول العصمة أصلًا، وجوزوا وقوع ذلك على سبيل الندرة؛ كقصة يوسف وإخوته، وقد اختلف في كونهم أنبياء، والمرجح أن الأنبياء معصومون بعد النبوة صيانة لمنصب النبوة وحماية لأبهة الرسالة، ألا ترى قوله تعالى حكاية عن نبينا ﷺ: ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ﴾ [يونس: ١٦] الآية، يعني: لبثت بين ظهرانيكم (أربعين سنة) وما رأيتم افتراء ولا خيانة؛ فإنه ﷺ كان مشهورًا فيما بينهم بمحمد الأمين ﷺ.
قول عياض:
قد اهتم أعني عياض ﵀ في الشفاء برد واحد وعشرين دليلًا تمسك بها الذين جوزوا صدور الصغائر من الأنبياء بعد النبوة، الباقلاني، ومن وافقوه، وقد رد التفتازاني في المقاصد من تلك الأدلة اثني عشر دليلًا، ويظهر أنه لم يطلع على كلام عياض في الشفاء، ثم قال عياض بعد أن رد تلك الأدلة أجمع المسلمون على عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر الموبقات، ومستند الجمهور (أي: من
1 / 45