تنقسم عند الجمهور إلى كبائر وصغائر، وذهب جمع قليل إلى أن الذنوب والمعاصي ليس منها صغائر ونسب إلى ابن عباس وهو قول القاضي عبد الوهاب المالكي البغدادي من المالكية والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، والشيخ تقي الدين السبكي من الشافعية، ونسبه ابن عطية إلى القاضي أبي بكر الباقلاني وإمام الحرمين، والذي في جمع الجوامع أن إمام الحرمين قائل بتقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، وهو صريح كلامه في كتاب الإرشاد، وأحسن ما حددت به الكبيرة ما قاله إمام الحرمين في الإرشاد: إنها كل جريمة تؤدي بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة، وعدوا ثمانٍ وثلاثين معصية كبائِر. وفي الفقه الأكبر المنسوب إلى أبي حنيفة: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الكبائر، فأما أصحاب الأشعري فمنعوا الكبائر مطلقًا وجوزوا الصغائر سهوًا، وذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في الإيجاز أن نبينا محمدًا ﷺ معصوم فيما يؤديه عن الله تعالى وكذا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
قال التفتازاني في المقاصد: «واختلفوا في صدور بعض المعاصي من الأنبياء على التفصيل، والجمهور على وجوب عصمتهم عما ينافي مقتضى المعجزة وهو دلالتها على قول الله تعالى: «صدق عبدي فيما أخبر به عني. لا عمدًا ولا سهوًا» وجوز القاضي أبو بكر الباقلاني وقوع ذلك سهوًا ولم يرتضه الجمهور والمذهب عند جمهور الأشاعرة منع صدور الكبائر بعد البعثة وقبلها، وأما الصغائر فلا تصدر منهم بعد البعثة عمدًا ويجوز صدورها منهم سهوًا لكن لا يصرون عليها ولا يقرون، وذهب إمام الحرمين من الأشاعرة وأبو هاشم الجبائي من المعتزلة إلى تجويز صدور الصغائر منهم عمدًا» ا. هـ. كلام المقاصد.
قال إمام الحرمين في الإرشاد: «وأما الذنوب المعدودة من الصغائر فلم يقم عندي قاطع سمعي على نفيها (أي: عدم وقوعها) ولا على إثباتها (أي: جواز وقوعها)؛ إذ القواطع نصوص أو إجماع ولا إجماع؛ إذ العلماء مختلفون في تجويز وقوع الصغائر على سائر الأنبياء، والنصوص التي تُثبت حصولها قطعًا ولا يقبل فحواها التأويل غير موجودة، فغن قيل: إذا كانت المسألة مظنونة فما الأغلب على الظن عندكم؟ قلت: الأغلب جواز وقوعها ا. هـ كلامه.
واستدل أبو بكر الباقلاني لرأيه بقوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢]؛ إذ لا يقال لمن لا ذنب كالطفل والمجنون: قد غفرت لك؛
1 / 44